اقتراض فائض عن الحاجة.. لماذا
رحّلت الحكومة مئات ملايين الدنانير من قروض العام الماضي، والمقدرة بحوالي 400 مليون دينار، إلى موازنة العام 2015، ليتم إنفاقها خلال العام الحالي.
والسؤال المهم هنا: لماذا تبالغ الحكومة بالاقتراض، وتزيد المديونية بمبالغ لا تحتاجها؟ إذ إن القروض المُرحّلة فائضة عن الحاجة؛ كان يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي تخفيض حجم المديونية بمقدار تلك المبالغ؟
يبدو السبب، بشكل رئيس، في عدم وجود سياسة واضحة لإدارة ملف الدّيْن الذي يتعقد يوما بعد يوم. فتجد الحكومة المصرة على زيادة أسعار الكهرباء لسداد جزء من مديونية شركة الكهرباء الوطنية، تبالغ في الوقت ذاته بالاقتراض من دون حاجة، بدليل أنها ترحّل الأموال لاحتمالية أن تحتاجها في المستقبل.
خلال العام الماضي، وقّعت الحكومة العديد من الاتفاقيات للحصول على قروض خارجية من جهات مختلفة، كما استمرت في سياسة الاقتراض من مصادر محلية. بمعنى أن الحكومة لم توفر أي جهة يمكن لها الاستدانة منها، حتى بلغ حجم الاقتراض من قبل الحكومة المركزية خلال العام الماضي مبلغ 1.380 مليار دينار، وارتفع صافي الدين العام لحدود 21 مليار دينار.
يمكن للحكومة تفسير نهمها للاقتراض بأسعار الفائدة المنخفضة، لاسيما الخاصة بالتسهيلات الخارجية، وتحديدا تلك التي تحصل عليها بضمانة أميركية. إذ وافقت الحكومة الأميركية على كفالة تصل قيمتها 2.5 مليار دولار، توزّعت على مرحلتين؛ الأولى بقيمة 1.5 مليار دولار في العام 2013، والثانية بقيمة مليار دولار تمت خلال العام 2014.
لكن حتى بوجود كفالة حكومية أميركية، فإن هذا النهم للاقتراض يتطلب التوقف عنده، ويحتاج ربما إلى اجتماع جديد للجنة إدارة الدين التي قليلا ما تلتئم؛ وذلك بهدف وضع حد لمثل هذا السلوك الذي يرتّب التزامات كبيرة على البلد والخزينة، كما على الأجيال المقبلة، عدا عن تهديده الكبير لفكرة الاستقرار النقدي والمالي.
صحيح أن ثمة ظروفا إقليمية ومحلية خارجة عن السيطرة، أدت إلى تزايد المديونية، على رأسها انقطاع الغاز المصري لأكثر من سنتين. لكن، وكما تكشف الأرقام، يبدو أن الحكومة الحالية استسهلت فكرة الاقتراض، مسقطة من حسابها كل التبعات الكارثية لهذه السياسة، لاسيما النتائج الخطيرة لزيادة المديونية على حاضر البلد ومستقبله.
إن حجم الدين مؤشر مالي رئيس، يكشف العيوب في إدارة الملف الاقتصادي ككل، كما يدلل على الاستخفاف بفكرة المبالغة بالاقتراض، وتناسي ما سببه مثل هذا المسلك من انهيار اقتصادي مفاجئ في العام 1989.
من جديد، لا بد من الالتفات إلى إدارة الدين. الأمر الذي يحتاج إلى عقلية رصينة، تدرس تبعات كل خطوة، وتقيس نتائجها. فـ"الشطارة"، أيها السادة، ليس في الحصول على القروض بداع وبدون داع، بل بتسديدها، وتخفيض قيمتها نسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولعل وعسى نعود إلى تطبيق قانون الدين العام الذي عدل في عهد حكومة سمير الرفاعي، لاسيما البند المتعلق بضبط إجمالي قيمة الدين عند حدود 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، فيما هو يتجاوز اليوم نسبة 90 % من هذا الناتج! وهو التعديل الذي أدى إلى انفلات شهية الحكومات اللاحقة جميعا نحو الاقتراض، طالما أنه لا يوجد بند قانوني يحدد سقفا للدين.