رشاقة الجري نحو الهاوية
تصعد الحالة العربية برشاقة نحو الهاوية، على المستوى الفردي والجمعي، على اسطر التاريخ وداخل صفحات الجغرافيا، فالحدود العربية باتت محاصرة من اثيوبيا الى ايران، والجغرافيا العربية باتت مرسومة على خرائط الشاشات العملاقة بقنابل متفجرة، وتزداد المربعات السياسية يوما بعد يوم وتشتد نسبة الازاحة الى حدود شبه المنحرف، فلا مجلس الدول المغاربية قائم ولا مجلس الوحدة ولا منظومة دول الخليج على حالها فالجميع تحالف مع التفرقة والتشظي.
خلال اعوام اربع نجح الوطن العربي في ابراز اسوأ مفاتنه السياسية بالتعرّي الفكري والانسلاخ الجغرافي وبقيت الحالة العربية معلقة على عامود الرقص الايحائي في المحافل الدولية للشراء تارة وللفرجة تارات، لحم عربي بكل الالوان بات معروضا في سوق النخاسة الدولي، ابيض فاتح وغامق ووردي واسود، وازياء سياسية تزداد كل يوم من الخنجر على الوسط الى العمامة على الرأس الى الجنبية المعكوفة والخنجر اللمّاع على رقاب الضحايا، وننتظر بشوق عودة الخوازيق والاستمتاع بمشاهد الاعدامات المخوزقة، فقد سأمنا منظر الموت بالمتفجرات على الهواء مباشرة وشاهدنا الكثير من افلام جزّ الرؤوس.
كل ما في الحالة يغري بالفرجة، الافلام رديئة الصنع والمؤامرات الباهرة الاعداد رغم رداءة التنفيذ احيانا، وطن يشتري منتخبا وذوات يشترون اوطانا في صربيا وبعض الجزر المجهولة ونهاية المآب استباق الاعداء في حظر المقاومة رغم انفراج غمّتها غربيا، فكل ما يجري داخل اسوار الاوطان العربية يغري بالفرجة من الخارج فلا تستغربوا اصطفاف الشباب على ابواب السفارات للنجاة او للتحول الى مشاهدين بعد السأم من المشاركة في التمثيل البغيض.
عالم اردناه لغيرنا واوطان صنعناها على غير شاكلتنا، فمصر التي في خاطرنا لا تشبه مصر التي نراها، ودمشق مدينة غامضة وبغداد بلا مدينة اصلا، واهل الخليج لم يتبق منهم سوى ثوب ابيض فضفاض وغطرة مكوية بعناية وما بينهما ارطال من اللحم الآدمي، وعمان الوادعة سابقا تغضب لمجرد زامور من سائق طائش او لاحتفالية بدخول هدف في مرمى فريق كروي، وتونس مسودة على خضار وصنعا لم تعد صنعا، وما تبقى من ليبيا يجري التحضير لشوائه ونثره في الفضاء.
ننظر الى بصيص فنجده بعيدا عن هنا، نركض نحو سراب على شكل وحدة في قصائد الشعراء وبعض الروايات، فنجد الورق قد ازداد صفارا والاحرف متلاصقة وسائحة على ذاتها، نفتح صفحات التاريخ كي نرتدي عباءة تقينا برد الشتاء وحرّ الصيف، فنجد الصفحات مسروقة ولم يبق الا وريقات عن الخوراج وقتل علي وارسال رأس الحسين الى بلاط الخليفة واحفاد ابن ملجم يسنّون سيوفهم بانتظار رقاب الابرياء وفي الفهرس حروف تشكلت على شكل دموع سوداء.
نفتتح الاسبوع بيوم الخميس كي نغسل ما لصق بنا من عناء ونخشى لحظة الجمعة ونتنفس بعدها بارتياح عفن بأن الاسبوع راحات على مقابر الجلد الوثير التي اسميناها دلعا مقاعد وانتريهات، نفتح شاشات التلفاز على ما تيسر من فيلم او حوار او بقايا مباراة محلية، فنركض هلعا الى القنوات الاجنبية لنرى الشقراء تبتسم في صالة الديسكو قبل ان يأتي الرشاش ليحصد غمار سهرة المساء فنضحك، لسنا وحدنا، ونشد اللحاف على ما تبقى من حلم ونغط في نوم مليء بالبقايا ومن لفافات الهُراء.
نستذكر ما تيسر من ابيات شعر فنصطدم بأننا جميعا امام بيت واحد وكأن الشعر لم ينتمِ الى أمة العرب وجلّه مسروق من النُحلاء والغرباء فنعيب زماننا والعيب فينا ونغمض على ما تبقى من ابيات، وكأن المعنى ليس لنا، فنحن بلا عيوب، رغم فائض اللعنات الصادرة من ألسنتنا على الحال العام.