ليس حليفا بالتأكيد
بعد ساعات قليلة فقط، فهمنا المغزى من وراء قرار السلطات الأمنية المفاجئ بالإفراج عن منظر التيار السلفي المتطرف أبو محمد المقدسي. فقد تبين أن الرجل تحول في الشهر الأخير إلى وسيط بين الأردن وتنظيم "داعش"، لإنجاز صفقة التبادل المقترحة في ذلك الوقت؛ الإرهابية ساجدة الريشاوي مقابل الشهيد الطيار معاذ الكساسبة.
وفي إطار هذه المساعي، بعث المقدسي برسالة خطية للبغدادي يحثه فيها على قبول الصفقة، كما أرسل مبعوثا للعدناني؛ الناطق باسم تنظيم "داعش". لكن تبين فيما بعد أن كل هذه المحاولات كانت تجري في الوقت الضائع، وأن "داعش" كان قد ارتكب جريمته بحق الشهيد الكساسبة.
بالنسبة للسلطات الأمنية، لم يكن هناك أفضل من المقدسي ليخرج للرأي العام ويروي القصة، ويكشف أكاذيب "داعش". ولهذا اتُخذ قرار سريع بالإفراج عنه، وكان مشروطا، على ما بدا لاحقا، بالظهور في وسائل الإعلام للحديث عن تفاصيل الاتصالات مع "داعش".
هل نحن أمام خطوة تكتيكية لخدمة هدف محدد بفترة زمنية، أم أن الاستثمار في الخلاف بين مكونات التيار السلفي "الجهادي" سيكون جزءا من استراتيجية الحرب على "داعش" في المرحلة المقبلة؟
أعتقد أن الدولة ستخطئ إذا ما اعتبرت تيار المقدسي ومن هم على شاكلته من الجهاديين، حلفاء لها في الحرب على التطرف.
صحيح أن هناك خلافات بين أنصار تنظيم "القاعدة" و"داعش" حاليا، وحربا إعلامية مستعرة على مواقع الجهاديين. لكن كلا التيارين من نفس العلبة الأيديولوجية. "داعش" وُلد من رحم "القاعدة"، والاختلاف بينهما في الوسائل لا في الأهداف. وبحكم طبيعتهما المتشددة والمتوحشة، فليس غريبا أن يخوضا مواجهة دموية كالتي تجري في سورية، لمجرد تباين في الاجتهادات الفقهية.
المقدسي نفسه كان يوصف بالأب الروحي للزرقاوي، ثم اختلف معه في وقت لاحق. وحصل الشيء ذاته مع البغدادي. وعندما تشكل التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، عاد المقدسي وأتباعه لدعم تنظيم "الدولة"، وسعوا إلى مصالحة بينه وبين تنظيم "القاعدة" في سورية والعراق، ممثلا بجبهة النصرة.
هذه ليست دعوة لإعادة المقدسي وغيره من السلفيين إلى السجون من دون أسانيد قانونية. مهما بلغت حربنا مع المتطرفين، فلا يجوز أبدا انتهاك المعايير القانونية لمحاكمة الأشخاص، وتوقيفهم من دون تهم محددة. لكن ينبغي أن لا نشطح في تفكيرنا، ونتوهم للحظة أن مثل هؤلاء يمكن أن يكونوا في خندق الدولة والمجتمع في حربهما ضد التطرف.
المقدسي وأتباعه في الأردن يتخذون في الوقت الحالي موقفا متشددا من "داعش"، وقد وصفه المقدسي نفسه بالجماعة الإرهابية. ربما يكون قال هذا الكلام ليضمن خروجه من السجن. لكن من المستبعد تماما أن يكف هؤلاء عن ترديد فتاوى تكفير الدولة، والدعوة إلى الجهاد في سورية.
بعد انتكاسة الإخوان المسلمين في مصر، وتحولات الأزمة السورية، قيل إن "الإخوان" خسروا شعبيتهم لصالح التيار السلفي الجهادي. الآن، وبعد انحسار موجة التعاطف مع "داعش" بعد جريمته النكراء بحق الشهيد الكساسبة، لا نود أن يكون المستفيد جماعة "القاعدة" في الأردن.
لنا أن نتفهم لعبة الأوراق في مثل هذه الحالات، لكن التفكير أبعد من ذلك سيكلفنا خسارة المعركة مع التطرف.