كابوس المجتمعات الفقر
تعاني الكثير من المجتمعات من مشكلة الفقر نظراً لما تسببه هذه المشكلة من عناء ومشقة وبؤس على المستوى الفردي والأسري ونظراً لما تخلقه في الوسط الاجتماعي من خلخلة في القيم والسلوك والإنضباط بل والتماسك الاجتماعي .
وقد حاولت الكثير من الدول معالجة هذه المشكلة بشتى الطرق والوسائل إلا أن بعضها أخفق في ذلك وسبب اخفاقها في معالجة المشكلة يعود في الأساس إلى عدم قدرتها في تشخيص الأسباب الكامنة وراء الفقر .
والمتأمل في وضع بعض المجتمعات يجد أن الأسباب متعددة فبعض الدول فقيرة بسبب ضعف مواردها الطبيعية وبعضها الآخر فقير بسبب المستوى التربوي والتعليمي المتواضع والذي لا يمكنها من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية إذ قد يكون لديها ثروات طبيعية هائلة لكنها تحرم منها بسبب قلة الخبرات والمهارات إذ قد يكون لديها معادن وبترول ومياه وتربة صالحة للزراعة لكنها لا تستفيد منها بالشكل المطلوب والذي يرفع من مستوى المعيشة ويحقق الرفاه للمواطن .
أما الصنف الثالث من المجتمعات فهو الدول التي تكون غنية في ثرواتها الطبيعية ويستفاد من هذه الثروات لكن الاستفادة تكون محصورة في فئة صغيرة من أبناء المجتمع ويحرم الغالب الأعم من أبناء المجتمع وهذا الوضع يعبر عنه أحياناً بسوء توزيع الثروة وقد يكون مثل هذا الوضع بسبب فساد إداري أو لأن أقلية تحكم البلد وبيدها مصادر الثروة بحيث تتحكم في هذه المصادر وتحرم الآخرين من الاستفادة منها وهذا الوضع كان موجوداً وما تزال آثاره السيئة موجودة في جنوب أفريقيا عندما كانت تحكم من قبل الأقلية البيضاء .
وفي نظرة متأملة بواقع بعض المجتمع والدول نجد أن بعضها وكما هو الحال في اليابان بلد فقير في مصادره الطبيعية لكنه تمكن وبفضل التعليم والتربية المتقدمة والإدارة المنضبطة من تجاوز هذه المشكلة وتغيير واقع المجتمع إلى مستوى اقتصادي جيد بل وينافس اقتصاديات دول أخرى أفضل منها في مواردها الطبيعية يكفي الاستشهاد بقدرتها الصناعية التي اكتسحت أسواق العالم في منتجاتها ، بالإضافة إلى الإدارة الناجحة والتي أصبحت تدرس في جامعات العالم ويضرب بها المثل .
وما من شك أن ما حققته اليابان من نجاح اقتصادي انعكس على الفرد الياباني بحيث حصل على فرصة عمل وارتفع بذلك مستوى دخله ، لكن هذا الوضع لم يتحقق إلا بتأهيل الإنسان الياباني وامتلاكه لمهارات العمل المطلوبة مما مكن الوطن بكامله من النجاح والمنافسة الحادة على المستوى الدولي ويكفي أن نعلم أنه لا يوجد أمي واحد في اليابان .
إن محاصرة الفقر وجعله في أدنى النسب على الصعيد الاجتماعي يتحقق من خلال بوابة التربية فبالتربية يؤهل الأفراد للوظائف والمهن المطلوبة في سوق العمل وبالتربية تستثمر الإمكانيات المتوفرة أفضل استثمار .
وبجانب الاهتمام بالتربية والتعليم عمدت بعض الدول لبعض الإجراءات من مثل تحديد حد أدنى من الأجور بحيث يكون دخل الفرد مناسباً لمتطلبات المعيشة الكريمة مع مراجعة هذا الحد بين فترة وأخرى لجعله مناسباً لمستجدات الحياة وظروفها مما يقلل من المشاكل المترتبة على حالة الفقر كالسرقة والانحرافات الأخلاقية والرشاوي .
وتضطر بعض الحكومات إلى دفع مبلغ مالي للفرد الذي يعمل في وظيفة لا يصل مرتبها إلى الحد الأدنى للدخل وذلك بهدف سداد النقص وحتى لا يضطر الفرد للعيش بمستوى أقل أو لممارسة أعمال يكمل بها احتياجاته لكنها في ذات الوقت تضر بالمجتمع أو غير أخلاقية .
النظرة الموضوعية للفقر تستوجب دراسته بشمولية وبوعي وعمق لكافة الأسباب سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي بل وعلى مستوى التحولات والتغيرات الحياتية من تقدم في التقنية وتغير في أساليب وظروف المعيشة .
الأسباب على المستوى الفردي تتمثل في نقص دخل الفرد من الأساس أو أن يكون الدخل مناسباً لكن الفرد مسرف في صرفه ولا يعرف كيف يدبر شؤون حياته مما يدخله في دائرة الفقر .
أما على المستوى الاجتماعي فقد يوجد عادات وتقاليد يلتزم الفرد بها كما هو في عادات الزواج في بعض المجتمعات ويترتب على ذلك مصاريف إضافية تكون خارج مقدرة الفرد ومن ثم يقع في : الديون ويدخل بذلك دائرة الفقر والعوز.
كما أن من أسباب الفقر الغلاء الفاحش لبعض السلع كالأراضي والسيارات وغيرها وهذه كفيلة باثقال كاهل الفرد الذي يعاني في الأساس من محدودية الدخل .
ولو تمعنا في أسعار الأراضي والعقارات سواء في مجتمعنا أو غيره فماذا نجد ؟ ! إن الغلاء الفاحش سواء في الأراضي أو المساكن يجعل من هذه السلعة سبباً رئيساً في الفقر ذلك أن رغبة جميع الناس في توفير السكن المناسب لهم ولأبنائهم يترتب عليه الاقتراض من أجل توفير السكن أو الاستمرار في الاستئجار بحيث يصرف جزءاً كبيراً من دخله لهذا الغرض ومن ثم تحول الفرد في عداد الفقراء .
ولمعالجة مشكلة الفقر لابد من رؤية موضوعية تعتمد على بيانات وحقائق واقعية تكشف مستوى الدخل لأفراد المجتمع ومصادر الدخل المحتملة ومقارنة ذلك بالمستوى الاقتصادي للمجتمع ومستوى المعيشة المرتفع كما أن الأمر يتطلب إعادة النظر في أسعار كثير من البضائع ذلك أن الأسعار المرتفعة والمبالغ فيها كالسكن والأراضي تجعل من الأفراد صيداً سهلاً للفقر .
ومن المقترحات التي أرى أنها من الممكن أن تخرج كثيراً من الأفراد من دائرة الفقر تحديد مستوى حد أدنى من الدخل تلتزم الحكومة باكماله لو نقص أو تدفعه كاملاً في حالة عدم قدرة الفرد في الحصول على عمل مناسب ويضاف لما سبق اعادة تأهيل الأفراد وتدريبهم بحيث يعطى الأفراد الفرصة لمزاولة أكثر من مهنة بغرض زيادة دخولهم .
ومن المقترحات في هذا الشأن إعطاء الفرصة المضمونة لإلتحاق أبناء الأسر الفقيرة في مراكز التدريب والجامعات ومؤسسات التعليم العالي لأن تأهيلهم علمياً ومهارياً يسمح في التحاقهم في ميدان العمل ومن ثم زيادة دخول أسرهم وبالتالي التقليل من نسبة الفقر في المجتمع .
إن من الحلول التي استخدمتها بعض دول صرف ما يسمى بالمعونة الاجتماعية حيث يصرف لكل فرد من أفراد الأسرة من بنين وبنات وزوجة معونة شهرية تصل في بعض الدول لسد رمق العيش وذلك لمساعدة ولي الأمر ورفع المعانات عن كاهله وتفادياً لما قد يترتب على الفقر من أضرار على المستوى الفردي والمجتمع تكون معالجة آثاره باهضة بل قد يصعب علاجها خاصة إذا كانت هذه الآثار مرتبطة بالأخلاق والقيم والسلوك بل وأمن المجتمع .