التطرف والاعتدال تكييف خاطئ
أصاب جلالة الملك كبد الحقيقة عندما رفض تصنيف المسلمين إلى متطرفين ومعتدلين، ذلك أن توصيف الصراع الراهن في العالم الإسلامي على أنه حرب بين التطرف والاعتدال، تكييف خاطئ لا يخدم الغرض، ويضر أكثر مما ينفع.
في الصراعات العقائدية، سواء كانت دينية أو سياسية، تحسم المعارك عادة لصالح التطرف لما يولده من حماس واندفاع أعمى، وما يتطوع به خصومه من اعتراف ضمني بأن المتطرف على حق ولكنه متشدد في الحق! والواقع أن بعض وسائل الإعلام تسمي الإرهابيين متشددين.
وإذا كان التطرف مفهوماً على جميع المستويات، ولا ينكره أصحابه، فماذا يعني الاعتدال؟ ليست هناك نظرية متكاملة تتعامل مع الاعتدال أو التسامح والذي يختلط في الأذهان بالتساهل والتهاون، أو التنازلات والحلول الوسط.
داعش تنظيم إرهابي يحتج زوراً بأن كل ما تقـوم به من قطع الرؤوس، وحرق الأحياء، وسبي النساء، وتحطيم التماثيل، ليست بدعاً من اختراعهم، بل موجود في الإسلام والتراث، لكن...
الإسلام، وكل الأديان، وحتى المذاهب السياسية تواجه الحالات المختلفة بوسائل مختلفة، فلا يجوز استعمال وسائل علاج حالات إيجابية بأساليب العنف المخصصة لحالات سلبية.
إذا صح أن أبا بكر رضي الله عنه سمح بحرق زعماء المرتدين، فليس ذلك لأنهم ارتدوا عن الإسلام الذي يقول لا إكراه في الدين، ولا تهدي من أحببت، بل لأنه رأى في حركتهم تدميراً لمشروع الدولة التي كانت قيد الإنشاء لتحويل مجموعة قبائل متناحرة في الجزيرة إلى أمة عربية واحدة بزعامة قريش.
وإذا كان الرسول الكريم قد أمر بتدمير أصنام الكعبة فلأنها كانت ُتعبد كآلهة، فالقصد ليس تدمير الحجر بل عبادته، وبالتالي من حق داعش أن تحطم كنوز المتاحف إذا وجدت أنها منصوبة في معابد لكي ُتعبد كآلهة.
مشكلة داعش لا تكمن في التطرف بل في انتقاء سلوك استثنائي مقرر لظروف وشروط مختلفة. فإذا كان يجوز لصاحب البيت قتل الغريب الذي يحاول دخوله معتدياً، فليس معنى ذلك أنه يحق له أن يقتل من يطرق بابه زائراً أو مساعداً.
في الإسلام عنف وفيه رحمه ولكل منهما موضعه. أما داعش فتأخذ في مواجهة البريء بالأسلوب المقرر في مواجهة المجرم.