يهودية الدوله
لم يكن مفهوم يهودية الدولة مطروحا بهذا الشكل، او معروضا بقوة كما هو الان، او مطلبا اساسيا اسرائيليا في مفاوضات السلام او من متطلبات انهاء الصراع التي بات الجميع يعرف بها، وفي هذه الايام بالتحديد، اصبح هذا الموضوع او هذا المصطلح من المواضيع الاساسية، الذي يبدو انه سوف يعيق او يسرع السير نحو الحل، وسواء اكان هذا الطرح الاسرائيلي تكتيكا او يهدف لوضع العقبات، الا ان انتشار هذا المفهوم او طرحه وبقوة، وانتشاره على الصعيد العالمي والعربي، يستدعي نقاشه وبعمق، لكي نفهم نحن العرب ولمسلمين ماذا يعني وما مغزاه، والاهم لكي يعي المواطن العربي لماذا يرفضه الجانب الفلسطيني الرسمي، وبالاحرى ما هي الاهداف الحقيقية التي يمكن ان تختبئ من خلفه.
ويعرف الجميع الطابع اليهودي لاسرائيل، ومعروف انه يتم تطبيق ما يعرف بقانون العودة على كل يهودي يصل اليها، وبغض النظر عن تعريف اليهودي او الفترة الزمنية الممتدة منذ يهوديته، الا ان لم شمل اليهود او جمعهم في هذه البقعة هو الهدف الصهيوني الرئيسي لاقامة الدولة، ونسمع وباستمرار تصريحات اسرائيلية، ومن جهات مختلفة، من اليمين ومن اليسار، تطالب بالحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، او على الاغلبية اليهودية، او على الثقافة اليهودية للدولة، ويعرف العالم من اقصاه الى اقصاه ان اسرائيل هي دولة اليهود، وبالتالي لماذا الطرح والاصرار الاسرائيلي على الاعتراف بيهودية الدولة، والاصرار في هذا الوقت، والاصرار بأن يتم ذلك من الجانب الفلسطيني، وبعيدا عن المناورات او المعيقات السياسية التي ربما تقف وراء هذا المطلب، فأن الاعتراف بهذا المطلب وبالاخص من الجانب الفلسطيني يمكن ان يكون له ابعاد متعددة، قصيرة وبعيدة المدى.
وربما من هذه الابعاد، البعد التاريخي، اي الاعتراف بالتاريخ اليهودي لهذه الارض، اي بالاحقية اليهودية التاريخية بالوجود على هذه الارض، ومن ثم الاعتراف بإقامة الكيان على اساس تاريخي، على اساس ان الاجداد كانوا هنا وبالتالي التاريخ يمنح الشرعية بالعودة والاقامة هنا، وهذا يعني ان الفلسطيني وصل الى هنا في ظل احداث معينة، او هجرات مختلفة او بسبب نشاطات اقتصادية واجتماعية، وبالتالي اقام على هذه الارض، التي تاريخيا لا ينتمي اليها ولا يوجد له فيها حق تاريخي، ولكنه اقام وتكاثر وقام بنشاطات، ومن ثم عاد اليها اصحابها الشرعيون من الناحية التاريخية، وسياسيا يعني انه لا يوجد حق عودة لغير من لا يملك الحق التاريخي، ويمكن تصور تداعيات اعتراف الجانب الفلسطيني بذلك، وعالميا لو تم تطبيقه، فإن البعد التاريخي يعني عدم شرعية وجود اي مواطن امريكي ابيض او اسود او بأي لون كان، ما عدا شرعية الهنود الحمر بالحق في العيش او الوجود في امريكا اليوم، وما ينطبق على امريكا يمكن ان ينطبق على دول عديدة في العالم، في قاراته المختلفة.
وربما من الابعاد للاعتراف بيهودية الدولة، البعد الديني، فالاعتراف بيهودية الدولة، وبالاخص من الجانب الفلسطيني، يعني ان الديانات الاخرى، وهي الاسلام والمسيحية التي يتشكل منها الفلسطينيون، سواء اكانوا في داخل اسرائيل او في الضفة وغزة، هي ديانات لا يوجد لها حق ديني شرعي في هذه الارض، وانما وبما انها موجودة في هذه البقعة من الارض، فإنه سوف يسمح لها بممارسة الشعائر الخاصة بهما، من منطلق التسامح والعطف الانساني، ولكن الحق الديني في هذه الدولة او في هذه الارض وما تحويه من مقدسات وتاريخ ديني هو الحق اليهودي، واذا كان هذا هو المقصود، فكيف يمكن تصور دول اخرى في العالم تنادي بالاعتراف بها بذلك من المنطلق الديني، فمثلا لو ايطاليا طالبت بالاعتراف بها كدولة للكاثوليك فقط او بريطانيا طالبت بأن يعترف بها العالم كدولة البروتستانت، او مثلا لو مصر طالبت الاعتراف بها كدولة اسلامية؟
وربما هناك تداعيات للمطالبة للاعتراف بيهودية الدولة، تتعلق بالحقوق والالتزامات، وبالاخص الحقوق الانسانية من مساواة وحريات، من حق الترشح والاختيار والتمثيل، فالاعتراف بيهودية الدولة ربما تعني الاعتراف بأن لليهود فقط حقوقا انسانية، اما الذي يوجد من غير اليهود فهم اقليات، لا تتمتع بحقوق اليهود التاريخية والدينية والسياسية، ولكن اليهود قد يمنحونهم بعض الحقوق كجزء من التسامح والشعور او العطف الانساني، وكيف يمكن تصور دول في العالم تنادي بالاعتراف بها بناء على صبغة معينة دينية او بسبب اللون وما يترتب على ذلك من هضم حقوق غيرهم من الالوان والاجناس والاديان والاقليات، فماذا لو مثلا طالبت الولايات المتحدة الامريكية بأن يتم الاعتراف بها كدولة للبيض فقط، او لو نادت دولة جنوب افريقيا بالاعتراف بها كدولة للاغلبية، اي دولة للسود فقط، او طالبت الهند بأن يتم الاعتراف بها كدولة الهندوس؟
وعليه فإن المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة، والاصرار عليه في هذه المرحلة، لتستدعي نقاشا معمقا من الجانب الفلسطيني، الرسمي وغير الرسمي، وذلك لكي يعي المواطن الفلسطيني العادي هذا المصطلح الجديد، ولكي يعرف تداعياته او استحقاقاته، او ما يترتب عليه، في احداث الماضي وفي الوقت الحاضر وفي المستقبل