صاحب الدكان غضبان
صاحب الدكان قلبه على الدكان. أو هكذا يفترض. لكن ما إن يتعامل صاحب الدكان مع الدكان على أنه مجرد أداة لـ «المنظرة»، أو وسيلة للهيمنة المالية، أو رسالة للسطوة الشعبية، حتى يتسلل هذا الشعور بالاستخفاف، وتلك الأحاسيس بالسطحية، وافتقاد
المهنية إلى جموع الزبائن. حتى أولئك الذين يجدون أنفسهم مضطرين الى التعامل مع الدكان ذاته، إما بسبب البعد الجغرافي لبقية الدكاكين، أو لوجود بضائع بعينها في هذا الدكان، أو تحت ضغط أسعار تنافسية تدحض غيرها من الدكاكين، فإنهم يفعلون ذلك على مضض، وإن
لم يكن مضضاً، فهو قرف أو على أقل تقدير يكون تعاملاً تجارياً جافاً يفتقد الى الحميمية، ولا مجال فيه للأرضية الاجتماعية الواحدة، حيث كان يلقي الزبون تحية الصباح على
صاحب الدكان سائلاً عن صحته، فإن لم يكن جالساً عند باب الدكان كعادته، فهو يسأل عنه ويرسل السلام إليه. لكن بنزع الدكان قناعه الإنساني وبزوغ أغراض صاحبه الحقيقية، تقتصر التعاملات على البيع والشراء، مع معرفة يقينية بتحوّل الشاري إلى أقرب دكان بديل ما أن
تتاح الظروف. الظروف التي مرت بها مصر خلال السنوات الأربع الماضية، حيث رياح الربيع وعواصف التغيير السياسية والاقتصادية والاجتماعية أضفت هالة على القنوات الفضائية، التي يعرف القاصي والداني أنها أدت دوراً رئيسياً في تشجيع الجموع على الثورة الشعبية.
وفي الفترات الأخيرة، وبعد توجّه وطني عام وتوحّد فضائي مطلوب لإنقاذ البلاد من براثن الجماعات وقبضة أنصار الخلافة وأتباع المذاهب المنفصلة عن الحياة المدنية والمعاصرة الشعبية، بدأ عدد من هذه القنوات يتفرغ لمصالح أصحابها. إلى هنا، يبدو الأمر طبيعياً، طالما ظلت
المصالح بعيدة من الصدام بالصالح الوطني. لكن تبدو في الأفق بوادر توغّل بعض من هذه المصالح، وتمدّد جانب من تلك المآرب لتدخل في منافسة على الهواء مباشرة مع التوجهات الوطنية. فأن يخرج صاحب قناة ليتّهم مذيعاً لامعاً يقدم برنامجاً رئيسياً على شاشته (التحق بقناة جديدة)، بأنه
نفّذ توجيهات جهة أمنية سيادية بمهاجمة شخصية سياسية حزبية – على رغم أنه جرى العرف الفضائي على مدى السنوات الأربع الماضية بإطلاق العنان لجموع الإعلاميين بشتم هذا وسبّ ذاك، من دون محاسبة أو رجوع الى معايير مهنية ناهيك عن مقاييس أخلاقية – فهو ما
صدم كثيرين. يقول البعض إن ما يحدث حالياً من مؤشرات شقاق تلفزيونية، وبيع وشراء شاشات فضائية، هو إعادة ترتيب مصالح داخلية. في حين يرجّح البعض الآخر أن يكون
أصحاب المال قد اطمأنوا إلى ترسيخ أقدام النظام السياسي، ومن ثم يجري تجهيز الشاشات لخدمة المصالح، وهو ما قد يستلزم تصفية حسابات، وخلق صداقات، وترسيخ أقدام. فريق ثالث يرى أنه ردّ فعل غاضب على قرار مذيع بالرحيل. ويبقى المشاهد في جانب آخر تماماً. فإلقاء
الاتهامات من صاحب القناة على أحد أبرز وجوهها على الملأ، وبشكل مقصود، يصيب المشاهد بنوع من القرف وشعور بالغضب.
* الحياة