نبتُ الخُزامى عند العرب
نبتُ الخُزامى ؛ نبتٌ ربيعي ، ويظهرُ في الأرض الرَّمْلية ، وهو مما عرفتْهُ العربُ ؛ لأنه من نبات مواطِنِهم ، وهو ذو رائحة زَكِيَّة ، وقد ذهبَ الأصمعي إلى أنَّهُ أفضل النبت العِطْرِيِ عند العرب ، واستَدَّل على ذلك ، بقول أعرابية تُرَقِّصُ ابناً لها :
يا حَبَّذا ريحُ الولدِ
...... ريحُ الخُزامى في البلدْ
أهكذا كلُّ ولد
..... أم لم يلدْ مثلي أحدْ ؟!
فالعربُ تُفَضِّلُ الولدَ ، فلذلك قرنتْ هذه الأعرابية ريحَ الخُزامى بريح الولد والمولود .
وقد جاء ذِكْرُ الخُزامى في الشعر على أجمل الصور والهيئات ، قال النُّمَيْريُّ في زينب أخت الحجاج :
ألا مَنْ لِقَلْبٍ مُعَنَّى غَزِلْ
..... يُحِبُّ المُحِلَّةَ أُخْتَ المُحِل
تَراءتْ لنا يومَ فرعِ الأرا
...... كِ بين العِشاءِ وبين الأُصُلْ
كَأنَّ القَرَنْفُلَ، والزَّنْجَبيلَ
..... وريحَ الخُزامى وَذَوْبَ العَسَلْ
يُعَلُّ به بَرْدُ أَنْيَابِها
..... إذا ما صَفَا الكوكبُ المُعْتَدِلْ
فقد ذكرَ الخُزامى في موطن مدح مَبْسَم زينبَ أخت الحجاج ، والنميريُّ يقصد بالمُحِلِّ في شعره : الحجاج ؛ لأنه أحلَّ القتال في الحرم المكي زمن ابن الزبير – رضي الله عنهما - !
وهذا حسين بن مطر الأسدي يقول في محبوبته :
قد كنتُ جلداً قَبْلَ أنْ يُوْقَدَ الهوى
..... على كبدي ناراً بطيئاً خُمُوْدُها
ولو تُرِكَتْ نارُ الهوى ؛ لتضرّمَتْ
..... ولكنّ شوقاً كلّ يومٍ يَزِيْدُها
وقد كنتُ أرجو أَنْ تموتَ صَبَابَتِي
..... إذا قَدِمَتْ أيّامُهَا وَعُهُوْدُها
فقد جعلتْ في حَبَّةِ القلبِ والحشا
...... عِهَادَ الهوى تَلْوي بشوقٍ يُعِيْدُها
بِمُرْتَجَّةِ الأَرْدَافِ هَيْفٍ خُصُوْرُها
..... عِذَابٍ ثناياها عِجَافٍ قُيُوْدُها
وَصُفْرٍ تَرَاقِيْها وَحُمْرٍ أَكُفُّها
..... وسودٍ نواصيها وبيضٍ خُدُوْدُها
يُمَنِّيْنَنَا حتّى تَرِفَّ قُلُوْبُنَا
..... رَفِيْفَ الخُزَامَى بَاْتَ طَلٌّ يَجُوْدُهَا .
جاء في ( خزانة الأدب ) ( 2 / 258 ) تفسيرُ البيت الأخير الذي فيه ذِكْرُ الخُزامى :
( وقوله: يمنيننا يصف حسن مواعيدهن وتقريبهن أمر الوصال. حتى ترف قلوبنا، أي: تهتز نشاطاً وترتاح وتفرح. والخزامى، بضم أوله والقصر: خيري البر. ورفيفها: اهتزازها. والطل: أثر الندى في الأرض من المطر. وإنما جعل الطل يجود جوداً لأنه يفعل في ري الخزامى ونعمتها ما يفعل الجود في نبات الأرض. يقال: رف يرف، إذا اهتز نعمةً ونضارة ) .
وقال مُلَيْحُ الهُذَليُّ يصف زيارةَ طيفِ المحبوبة ليلا وهم في سفرٍ وقد أناخوا إبِلَهم للنوم :
هُجُوداً على أطراف بِيْضٍ كَأَنَّهم
..... سُيُوفٌ جَلَا عنها جِلاءٌ ، وصاقِلُ
بِرَيَّا خُزامى بَطْنِ فَلْجٍ طَرَقَتْنا
..... سُحَيْرا ، وقد مَلَّ الوَجِيْفَ الرَّوَاحِلُ
ورائِحَةٍ من خالصِ المِسْكِ بَيَّتَتْ
..... لَطِيْمَتَها بالطَّفِّ ريحٌ ، وهاطِلُ
وَرَيَّا يَلَنْجُوْجٍ تَطَلَّلَ مَوْهِناً
..... وَنَشْوَةِ رَيْحَانٍ غَذَتْهُ الجَدَاوِلُ .
فالهُذليُّ يقدم ذكرَ الخُزامى على المسك واليلنجوج والريحان ، فقد طرقه خيالُ المحبوبة بريح الخزامى حتى عَبِقَ بَطْنُ فلج الذي نزلوا فيه للرقاد !
وهذا امرؤ القيس يصف أنياب المحبوبة بطيب الخزامى ورائحتِه :
كأن المدامَ وصوب الغمام
..... وَرِيحَ الخْزَامَى وَنَشْرَ القُطُرْ
يُعَلُّ بِهِ بَرْدُ أنْيَابِهَا
..... إذَا طَرّبَ الطّائِرُ المُسْتَحِرْ
وقد تَغنَّى أيضا بالخزامى شعراءُ العاميَّة ، ومنهم نمر بن عدوان :
جَعْل البَخْتَرِي والنَّفْل والخزاما
...... يِنْبِتْ على قبرٍ هُوْ فِيْه مَدْفُوْن .