الهيكلة في تقرير ديوان المحاسبة
قُدم مشروع إعادة هيكلة القطاع العام باعتباره مشروعا ثوريا إصلاحيا سيحقق العدالة كما لم تتم من قبل، لكن أهم نتائجه كانت في تفريغ المؤسسات الحكومية المستقلة من الكفاءات.
لا تستطيع المؤسسات اليوم تعيين كفاءات تحتاجها فسقف الرواتب لا يساعد، وهي إن فعلت فستكون فريسة سهلة للنقد والتشهير.
تعزى كثير من أسباب تردي العمل في المؤسسات المستقلة الى تراجع مستوى القيادات التي تشغل المناصب العليا فيها، فهذا ما تتيحه الرواتب المحددة.
مؤخرا كشف تقرير ديوان المحاسبة للعام 2014 ان وزارة تطوير القطاع العام قدرت اجمالي تكاليف اعادة الهيكلة ب 82.5 مليون والمبلغ الفعلي تجاوز ذلك ليصل 363.5 مليون.
كنت أشرت الى هذه الكلفة في مقال سابق، فإتصل وزير تطوير القطاع العام مصححا الرقم بما لا يتجاوز ال80 مليون دينار، لكن الفرق بين تقديرات الحكومة وتقرير ديوان المحاسبة كبير جدا فلو كان الأمر مجرد كسور لصنف باعتباره سهوا أو زيادة طارئة هنا وهناك.
للتذكير، المشروع بدأ بسقف عال جرى تنزيله لاحقا من تنفيذ هيكلة كاملة للقطاع العام رواتب ومؤسسات، الى هيكلة رواتب، عندما إصطدم بالكلفة الباهظة، في وقت لا تحتاج فيه الخزينة الى إبتكار نفقات جديدة.
لا ندعي أن الإبقاء على الوضع السابق هو عين الصواب، لكن التصحيح الإداري، لا يجب أن يقف عند مستوى الرواتب على أهميته، بل يجب أن يتعداه الى الإنتاجية التي تراجعت كثيرا، كما أن تنفيذ الهيكلة كان يجب أن تشمل التقاعدات حيث تبدو الفجوات أكبر بكثير.
التفاوت في الرواتب من وجهة نظر المؤيدين لفكرة إنشاء هذه المؤسسات سببه إستقطاب خبرات وكفاءات لا تقبل بمغادرة أعمال أفضل من حيث الدخل الى وظائف محدودة الدخل بحسب سلم الرواتب في الجهاز الحكومي، وان كانت مثل هذه الحالات محدودة وبالامكان تصويبها بمجرد انتهاء عقود المستقطبين إلا انها أثارت حفيظة الموظفين العاملين في الوزارات ممن لم يلتحقوا للعمل في هذه المؤسسات.
ما نجحت فيه إعادة الهيكلة هو تفريغ المؤسسات من الكفاءات، وما أخفقت فيه هو رفع الانتاجية.