اداب الزيارة وواجبات الضيافة
مما لا شك فيه ان مجتمعنا العربي مضياف بطبعه ...وديننا الحنيف يحث على صلة الارحام وعيادة المرضى والتزيارات واهداء الهدايا ... كما ان الضيافة سمة من سمات المجتمع العربي والإسلامي وخاصية من خصائصه الفريدة في العالم، تنضبط بضوابط أخلاقية وشرعية على مستوى الفرد والجماعة، وكلما توافقت مع التقاليد والأصول الشرعية قويت العلاقات وتوثقت الروابط.
تعود كثير من الناس أن يفاجئوا أقاربهم أو أصدقاءهم بالزيارة ، فحينا يجدونهم وتكون زيارة غير متوقعة وغير محسوبة، فربما يكونون على موعد لمغادرة المنزل أو تكون لديهم من الظروف ما يحول دون إعطاء الزيارة حقها، ومع كل هذه العوامل فلا بد من استقبالهم بالبشاشة والترحاب.. والمثل الشائع : ( لاقيني ولا تغديني) ، والقرآن الكريم قد نبه إلى وجوب الاستئذان قبل الزيارة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } النور : 27.
وقد يحدث للمضيف الحرج لظروف أسرية أو مادية أو ضيق في السكن، ولهذا جعل الله لمثل ذلك مخرجا ومندوحة في قوله تعالى: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} النور: 28.
وعلى المضيف في مثل هذه الظروف أن يتصرف بحكمة ولباقة حتى لا يفسد ود القلوب. وعلى الضيف أن يتقبل الرجوع عن الزيارة بصدر رحب. ولعل بعض الاخوة لا يستريح لهذا، والأولى أن يعاتب نفسه ويلزمها بأدب الإسلام والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
بعض الاخوة يتوجهون لزيارة أحدهم فيطرقون الباب عدة مرات، وقد حددت الآداب الإسلامية قواعد الاستئذان في زيارة صديق أو جار وذلك بالطرق أو استعمال (الجرس) ثلاث مرات فقط، الأولى لإعلام صاحب الدار أن هناك من يود زيارته. والثانية لاستعجاله إذا تأخر. والثالثة بمثابة اعتذار بأنه سوف يغادر المكان. ثم لا يزيد على ذلك احتراما لمشاعر صاحب الدار، فقد يكون غير متهيئ للاستقبال، أو أن يكون غير موجود أصلا في المنزل.
وبعض الاخوة ينصرف ثم يعود بعد فترة ويعاود ما سبق دون جدوى. وأنصح الزائر قبل أن يتوجه للزيارة أن يجهز بطاقة يكتب فيها أنه قد حضر للزيارة ويأسف لعدم اللقاء ثم يحدد فيها ما يريد أو يحدد موعدا آخر أو يترك عنوانه ورقم تليفونه كي يتصل به عند العودة.
ومن الحكايات التي تروى في مثل هذا الباب ما قرأته عن الشيخ عبد العزيز البشرى الذي ينفرد بأسلوبه في معالجة مشكلة الزيارات المفاجئة، فكان من عادته أن يضع عمامته وجبته خلف باب الشقة التي يسكن فيها. فإذا طرق أحدهم الباب لبس جبته وعمامته وأمسك عصاه، فإذا كان الضيف مرغوبا فيه استقبله أحسن استقبال وقال له: الحمد لله الذي جاء بي من الخارج الآن. وإذا كان الضيف ثقيل الظل وغير مرغوب فيه قال : الحمد لله الذي جاء بك قبل أن أخرج لأنني على موعد الآن !!
وبعض الأفراد ممن عندهم فراغ - أو متسع من الوقت - يقضون وقتهم عند من لا يجد متسعا من الوقت لإنهاء ما تراكم عليه من واجبات (فالوقت هو الحياة) (فعاون غيرك على الانتفاع بوقته).
وقد يتزايد الزوار ولا يفكر الزائر الأول في الانصراف لأن (القعدة احلوت) وبعضهم وخاصة غير المتزوجين لا تحلو لهم الزيارة إلا في وقت متأخر وغير مناسب لأنهم لم يمروا بهذه التجربة بعد، والمثل يقول : (يا بخت من زار وخفف)، وإذا أبديت بعض التلميحات تنبيها لمجافاة هذا السلوك للتقاليد والعادات قيل لك (إننا نحبك في الله تعالى) !! وليس الحب في الله تعالى إلا في إظهار الذوق والأخلاق وضوابط العرف. وإذا نوهت إلى أن مثل هذه التصرفات ترهق وتضيع الوقت قيل لك: (اللي يعمل جمل لا يبعبع من العمل) !! وهل أنا جمل؟ إنما أنا…!
الضيف يشارك:
قال لي أحد الاخوة أن ضيفا نزل عليه ومعه ابنه. وكان للمضيف ابن شاب قد غاب عن المنزل منذ يومين ولم يتعرف على مكان تواجده مما سبب للأسرة قلقا بالغا. وقد عرف الضيف الكريم ذلك ولاحظ وشاهد مبلغ الاضطراب الذي تعيش فيه الأسرة، ولكنه لم يبد أي شعور بالمشاركة الوجدانية، ولم يشارك بأية كلمة مواساة، وبعد أن قضى الوقت المناسب وقمنا نحوه بالواجب غادرنا، ولم يتصل بنا بعد ذلك ليسأل ويطمئن على غائبنا. وهكذا يقول المثل: (الذي يحب نفسه تكرهه الناس).
ضيافة الأسرة:
قد ينزل عليك ضيف ومعه أسرته لأكثر من يوم، ولن تتحمل كثيرا من المشاق إذا كان المنزل فيه متسع يمنع الحرج الشرعي من الاختلاط، أما إذا كان الأمر غير ذلك فإن عقبات كثيرة تحول دون الوفاء براحة الجميع.
ولعل أكثر المتاعب تأتى من نوعية الطعام الذي يقدم للضيوف في هذه الحالة، إذ أن البعض لا يرغب في نوع معين من الطعام، والآخر يحدد نوعا خاصا. والمضيف في هذه الحالة ينفق بقدر ما تسمح به حالته وليس بيته مطعما عموميا يلبى طلبات الجميع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ".. فمن اشتهى شيئا فليأكله ومن كره فليدع ". ودعا رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام من الخبز والخل، فما توقف رسول الله وما امتنع بل قال كلمة تليق بسماحة الضيف وتحافظ على شعور المضيف …
فعن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الإدام فقالوا: ما عندنا إلا الخل. فدعا به فجعل يأكل ويقول: "نعم الإدام الخل ، نعم الإدام الخل" رواه مسلم. وقيل في المثل: (بصلة المحب خروف).
كلمات لابد أن نعيش مع مدلولها السامي في التربية، وعلى المضيف أن يقدم ما تيسر عنده من طعام ولا حرج عليه. وعلى الضيف أن يكون على مستوى الاخوة فلا يعتبر ذلك انتقاضا من قدره. فإذا تكلف المضيف فوق طاقته وظروفه المادية وربما الصحية كذلك عنده أو عند أهله، فإن هذا التعامل سوف يضيق أبواب الإخوة وتصبح الزيارات أحمالا وأثقالا تقلل من مشاعر الحب والإيناس. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: " لا تكلفوا للضيف فتبغضوه " والمثل يتجاوب مع هذا الموقف حين تسمع:
(اللي يفتح بابنا يأكل لبابنا)، (البير الحلو دائما نازح).
وأحيانا يوجه أخ إلى إخوانه دعوة للغداء - أو العشاء - ويفاجأ صاحب الدعوة أن الاخوة الكرام قد اصطحبوا معهم بعض إخوانهم دون استئذان من صاحب الدعوة الذي يكون قد أعد مائدته على قدر العدد الذي دعاه متجاوزا بعض الشيء.. فقد روى الإمام أنس بن مالك أن قوما من أهل المدينة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام له ولأصحابه وهم خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس فماشاهم فلما دنوا من بيت القوم قال عليه الصلاة والسلام للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم! وفى رواية عن أبى مسعود البدري رضى الله عنه أنه قال: دعا رجل النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له خامس خمسة فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا تبيعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع. قال: بل آذن له يا رسول الله، وهكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآداب التي تحمي المجتمع المسلم من التسيب وتضبط له قواعد السلوك.
وفى حالة الطعام يستحب أن ينتظر الضيوف حتى يبدأ المضيف بدعاء الأكل (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار) فيدعوهم إلى تناول الطعام، والإشارة إلى هذا المعنى حين قال سيدنا إبراهيم عليه السلام للقوم الذين هبطوا عليه: {فقربه إليهم قال ألا تأكلون} الذاريات : 27.
فهو الذي دعاهم إلى تناول الطعام.
الطعام عورة:
والطعام عورة للآكل والمأكول على السواء.. فقد روى بأنه قد دعي أعرابي على مائدة أحد الأمراء: فقال له الأمير وهو يرفع اللقمة إلى فمه: الشعرة يا أعرابي في لقمتك ، وأراد الأمير أن يسحبها من لقمته، فضرب الأعرابي بيده قصعة الطعام وهو يقول: أتراقبني مراقبة من يرى الشعرة في لقمة أخيه؟! والله ما أكلت من طعامك قط.. فقال الأمير: استرها يا أعرابي بمائة من الإبل، فرضى الأعرابي وهو يقول: (معجَّلة) ؟!
وقيل إن أميرا دعا زائرا من الشباب إلى طعامه، فقال الشاب للأمير إنه شبعان، فدنا منه أحد حاشية الأمير وقال له: يا هذا.. إن الطعام مع الأمير للشرف وليس للشبع !!
وقد يحدث حين تقدم شيئا لأحد من الزائرين أن تراه يسرع فيعتذر بأنه (لسه شارب قبل حضوره) ولو أنه ارتشف قليلا من هذا المشروب لكان في ذلك مجاملة للمضيف.
وقيل إنه من أدب المضيف أن يحدث أضيافه بما تميل إليه نفوسهم، وألا ينام قبلهم ولا يشكو الزمان بحضورهم، وأن يبش عند قدومهم ويتألم عند وداعهم وألا يتحدث بما يروعهم وألا ينهر أحدا ولا يشتمه بحضرتهم.
دورة المياه (الحمام):
ومن التصرفات التي تضايق الضيوف : دخول الحمام الوحيد في السكن.. فبعضهم إذا دخل الحمام ينسى أن هناك غيره يترقب خروجه ليقضي حاجته، وبعضهم يدخل الحمام ومعه كوب من الشاي وآخر يدخل ومعه جريدة أو مجلة والذي ينتظر يعيش مع المثل القائل (الصياد بيتقلى والعصفور بيتفلى).
زيارة في مكان العمل:
تذهب أحيانا لزيارة رجل أعمال أو مدير مسئول - دون موعد سابق - فتدخل فيستقبلك بمودة وروح طيبة، ومن أدب الرجل أن يدعوك للجلوس ويطلب لك مشروبا تحبه، وفى نفس الوقت تجد عنده بعض موظفيه أو بعضا من رجال الأعمال وهم يتناقشون في بعض المشروعات، وتستمر المناقشة ويأتيك المشروب وتقضي بعض الوقت حتى تنتهي منه والرجل لا يزال مشغولا.
إن في كل مكتب مشغولياته وأسراره وقد يستحي الرجل من أن يعتذر لك، فواجبك الأدبي أن تشكره وتعتذر عن البقاء حرصا على وقته وظروفه التي توحي إليك بأن الوقت غير مناسب الآن. وتستطيع أن تأخذ منه موعدا آخر، فإنك إن بقيت جالسا يجب أن يكون حساسا ولماحا.
(فالوقت هو الحياة فعاون غيرك على الانتفاع بوقته)
زيارة غير لائقة:
حدثني أحد الاخوة فقال : توجهت مع شقيقي وشقيقتي إلى القاهرة لخطبة إحدى الفتيات له، ونزلنا ضيوفا على أحد الإخوان الذي كانت حفلة زفافه مساء أمس.. فاستقبلنا وأفسح لنا مكانا في منزله لنبيت فيه، وقد أفهمناه الغرض من حضورنا وطلبنا منه أن يسمح لزوجته أن تصاحب شقيقنا في زيارة أسرة الفتاة التي جئنا لخطبتها.. يقول الأخ الكريم وهو يروي هذه القصة إنه كان يعتبر ما حدث منه شيئا عاديا بالنسبة لما بيننا من أخوة وحب في الله تعالى وأنه لم يخامره أي شعور بأن ما فعله مناف للذوق ! عروس ثاني يوم زفافها يطلب منها زيارة لخطبة فتاة لصديق الزوج ولا يشعر هذا الصديق بأي خجل ؟ أو حرج ؟!
ويروى أحد الاخوة - وهو متزوج ويعول أربعة أطفال ويعيش في سكن محدود - أنه فوجئ في صباح أول يوم عيد الفطر بزائر كان يعرفه من سنين. فاستقبله بفتور واستمع له وهو يقول : لقد تذكرت صداقتنا وأخوتنا القديمة فدفعني حبي وشعوري أن أقوم بزيارتك في الله تعالى لأقضي معك يومين من عيد الفطر. يقول الأخ المسكين: لم أستطع أن أرد عليه جوابا فقد عجزت عن النطق بكلمة واحدة، فلما عرفت زوجتي الأمر قالت: والله إن الأقارب لا يفعلون ذلك فإن أول أيام العيد يكون خاصا بالأسرة، و زيارة هذا الرجل في مثل هذا اليوم تحتمل تأويلات شتى ! ولكن كان لا بد من الصبر، ويجب أن نتعلم الصبر.
زائر آخر الليل:
طرق بابي في وقت غير مناسب ليلا شخص يعرفني منذ أكثر من عشرين عاما، رحبت به كالواجب. ذكر في حديثه أنه موظف في إحدى الدول العربية الشقيقة وأن الله فتح عليه ورزقه مالا وولدا ومسكنا فسيحا وأنه قد اعتزم هذا العام أن يؤدى فريضة الحج وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد جاء لي لأعطيه عنوانا لأحد الاخوة الموجودين في مكة المكرمة والمدينة المنورة كي ينزل عنده طوال هذه الفترة، فقلت له : لا شك أن هذا الأخ الذي ترغب في النزول عنده قد اعتزم أداء فريضة الحج مثلك.. لهذا فسوف لا تجد أحدا متفرغا لك، والمتبع عند عامة الحجاج أن ينزلوا على المطوف أو الفنادق!
ودارت بخاطري كلمات الرجل أن الله تعالى قد رزقه مالا وولدا ونعما كثيرة، ثم هو يريد أن ينزل على من لا يعرفه ويكلفه ويعطله.. وحزمت أمري واعتذرت له، وانصرفت وأنا ما زلت في دهشة من أمره وعجب.
في وداع الضيف :
جاء لزيارة أخ له في الله، وقام المضيف بكل واجبات الترحيب والإكرام، واستمر الضيف في ضيافته ثلاثة أيام بلياليها - بكل الإيناس - وفى مثل هذه الظروف تتغير أحوال المنزل ولابد من المحافظة على نظام المنزل وخاصة (الحمام) بصورة أكثر، وأن تقدم المناشف والصابون وكل ما يليق بحضرة الضيف.
المهم ويوم أن اعتزم الضيف العودة، خرج ومعه المضيف حتى إذا اقترب من السيارة فتح بابها وركب، وتحركت السيارة !! ونسى الضيف أن يقف لحظة ليسلم على المضيف ويشكره !! هذا يمكن أن يحدث لو أن الإنسان كان ينزل في فندق من الفنادق ، أما أن ينزل ضيفا عند أحد إخوانه فإنه لا ينبغي أن يتوجه إلى السيارة حتى يقف خارج السيارة شاكرا مودعا ومعانقا أيضا.
هكذا يحدث بدون وعى أو إدراك، ثم يسترجع الضيف ذلك بعد أن يغادر المدينة، ولكن ماذا يمكن أن يفعل غير أن يتناسى ما كان ؟!
دعوة للغداء:
حدثني أخ لي فقال: أنه تعرف على شاب منذ شهرين، وكان يقابلني في المسجد ويجلس معي بعد الصلاة بعضا من الوقت ثم ينصرف كل منا لشأنه.. ذات يوم فاجأني بقوله: (يا أخي أنا عازم نفسي عندك على طعام الغداء) والأخ الكريم لا يعلم عن حياتي الشخصية أي شيء، فأنا أعيش مع أفراد أسرتي الخمسة في مسكن ضيق متواضع ، ولم يكن ذلك بالشيء الذي آلمني، بقدر خجلي وحرجي الشديد في كيفية الاعتذار عن تلبية طلبه حيث لم يسبق لي أن تعرضت لمثل هذا الموقف..
فالمألوف إذا كان يريد توثيقا للعلاقة أن يقوم هو بتوجيه دعوة الغداء فهو أعلم بقدراته وشئونه الخاصة، ولكنه كما أظن يريد أن يزيل الكلفة ويختصر الوقت في تدعيم الصلة بهذه الطريقة التي ربما تقضى على الصلة ، وكما يقول المثل : ( جاء يكحلها عماها).
السكينة في الزيارة:
يروي الأخ الكريم أنه عاد إلى منزله مساء ، وحين دخل وجد زوجته مهمومة مغمومة، وفتحت معه الحديث فقالت: إنها قد زارتها اليوم سيدة ومعها ثلاثة من أطفالها.
بدأ الأطفال في أول وقت الزيارة هادئين ملتزمين بالأدب ، ثم اشتركوا مع ابنها الوحيد في أدوات اللعب التي تخصه. ثم اشتبكوا في عراك. ثم ارتفعت الأصوات والجري وامتدت أيديهم إلى بعض أدوات الزينة فكسروا بعضها وهم يتصايحون فرحا وسرورا.. والسيدة والدتهم لم تحاول أن تمنعهم أو تزجرهم بل بدت متفرجة معجبة بما يفعلون !! في الوقت الذي بدت على وجهي علامات الغضب ولكنى خشيت أن أقول كلاما قد يخرج عن اللياقة في معاملة الضيف وأشد ما آلمني قولها ( دول عيال صغيرين وأنتِ عارفة إن شقتنا ضيقة ودي فرصة علشان الأولاد يلعبوا) ، واستمرت الزيارة أكثر من ساعة وأنا أتحكم في أعصابي حتى مرت بسلام.
يقول الأخ الكريم: الواقع أن الشقة جعلت "للسكن" يعني للهدوء والراحة والسكينة. فضلا عن واجبنا في أن تراعي ظروف الجيران أسفل الشقة، فقد يكون منهم الشيخ الكبير أو المريض أو من يستذكر دروسه أو غير ذلك من ظروف الحياة.
وأقول إن الضيفة هي التي خرجت عن حدود اللياقة وتجاوزت حدها وحقها وخرقت القانون الشرعي في مثل هذا الموقف، فإن للزيارات قانونا وعرفا وأخلاقا ! وإن بعض السيدات يقمن بفتح الدواليب والأدراج حتى أدوات المطبخ!!
فهل هذا يجوز أو يليق؟!
أصول الضيافة:
طلب أحدهم من صديقه أن يستضيفه في (شقته) على الشاطئ فترة من إجازة الصيف واستجاب الصديق وأعطاه مفتاح الشقة التي تركها نظيفة ومرتبة. وجاء الضيف ومكث بالشقة عدة أيام في راحة واستمتاع بالجو والماء والهواء، واستخدم التليفون والبوتاجاز والتليفزيون.
ولما انتهى من سياحته هو وأسرته المكونة من ستة أفراد توجه إلى صديقه ليقدم له عبارات الشكر والامتنان ويسلمه مفتاح الشقة. وبعد أن توجه صاحب الشقة ليقضى إجازته التي تأخر عنها هذا الوقت تكريما لصديقه العزيز.. وما أن فتح باب الشقة حتى هبت عليه رائحة كريهة اشمأز منها حتى إذا دخل فوجئ بالزبالة المتراكمة.. وأكثر المفروشات مبعثرة وبعض الكاسات والصحون محطمة. ودورة المياه قذرة وقد فعل الأطفال ما يحلو لهم. صدم صاحبنا وأصابه الوجوم.. وسمع من زوجته وأولاده نقدا ولوما شديدا على موافقته على مثل هذه الضيافة.
وفى الحال تغيرت صورة صديقه الضيف إلى صورة غير محببة إلى نفسه، وأدرك أن المظاهر الخارجية شيء والتربية والسلوك شيء آخر، وأول ما دار في ذهنه ( توبة من دي النوبة) وعزم على أن لا يعود لمثلها أبدا.
والواقع أن بعض الناس يعيشون في جاهلية اجتماعية ولا يقدرون قيمة ما يقدم لهم من خدمات، وكانوا يستطيعون لو أحسنوا أن تقوى بها الروابط وتدوم بها العلاقات وتزداد بها الإخوة، ولكن هكذا يفقد بعض الناس الأصدقاء بمثل هذا التصرف الرديء.
بعد الغداء:
دعينا للعشاء عند أحد الاخوة الكرام وكان كريما للغاية، فأنواع الطعام تم إنضاجها بالفرن. ومن عادة الاخوة في هذا البلد العربي أنهم لا يقدمون الطعام جملة واحدة، ولكنهم يقدمون أنواع الطعام على دفعات. والنوع الأول يكون خفيفا والثاني والثالث محشوا بالجوز واللوز والمكسرات، فالذين لا يعرفون هذا التقليد فإنهم يشبعون من الدور الأول ويضيع عليهم ما يدخر من أطايب الطعام في الأدوار القادمة.
المهم في نهاية الطعام يستحضر المضيف لضيوفه قاسمى (طشت وإبريق وصابون) ويمسك بنفسه الإبريق ومعه فوطة ويقوم بصب الماء ليغسل كل منا يديه.
صاحب البيت مع علو قدره ومكانته يصر على أن يقوم بهذا الواجب..
وقد راعني أن بعضا منا لم يكتف بالمضمضة الخفيفة ولكن أخذ في المضمضة الثقيلة والبصق في الإناء في مواجهة المضيف الكريم !
في مثل هذه الحالة يمكن للإنسان أن يستغني عن المضمضة لحين عودته إلى منزله ويكتفي بالصورية احتراما لصاحب الدعوة.
ضيف في الفندق :
نزل أحد الناس ضيفا على أخ في الله، ولما كان المضيف لا يجد وقتا يتسع للقيام بالواجب نحوه.. فقد حجز له غرفة في أحد الفنادق مكث فيها ثلاثة أيام. وبعد أن أنهى زيارته وودعه المضيف إلى المطار توجه الأخير إلى الفندق ليدفع حساب الإقامة. فوجد أن كشف الحساب قد تضمن قيمة مكالمات هاتفية داخلية وخارجية. ومعلوم أن قيمة المكالمات في الفنادق تكون مضاعفة، وتضمن الكشف قيمة الصحف والمجلات، وتضمن قيمة غسيل الملابس وكيها.. فقلت للأخ : إنه لم يتجاوز.. هب أنك أنزلته في بيتك أما كنت تتكفل بهذا كله ؟ قال: ليس إلى هذا الحد، قلت: إذن عليك أن تتنبه بعد ذلك إلى الحدود والواجبات حتى لا تتورط!!
جزاء الإحسان :
دعا أحد الاخوة شخصا فأنزله ضيفا في سكن خاص وسلمه المفتاح.. وبعد أن أمضى الضيف الكريم مدته في نزهة وسياحة غادر المدينة دون أن يعيد المفتاح إلى صاحب الشقة الذي استضافه.
واتصل صاحب السكن به في القاهرة يستعجله ليرسل المفتاح فقال : إنه يبحث عن مسافر إلى الإسكندرية ليرسله معه واستمرت الشقة مغلقة أياما وأسابيع، وأخيرا وجد الضيف من يحمل المفتاح إلى صاحبه.. وحين وصل إلى الإسكندرية تفقد المفتاح فلم يجده ! لقد ضاع المفتاح وضاع الوقت وضاع الوفاء مما يفقد الشعور بالثقة والاحترام.
في زيارة إلى فرنسا:
دعيت لزيارة بعض الاخوة في باريس وتحدد موعد الزيارة وموعد القطار ولما كنت لا أعرفهم ولا يعرفونني فقد تحدد مكان أجلس فيه حال وصولي ليتعرفوا علي.. ونزلت في القطار قاصدا المكان الذي اتفق عليه، فلم أجد أحدا في انتظاري ، ولم يكن معي أي عنوان! وجلست أنتظر حوالي ساعة ونصف حتى كثرت الوساوس وتعذر مغادرة المكان لأي سبب خشية أن يحضر أحد فلا يجدني فتضيع آخر فرصة. وفيما أنا في هذه الدوامة إذا بشاب يقترب منى ويقول لي : حضرتك الأخ أبو معاذ. فنظرت إليه غاضبا، وقلت له: نعم يا سيدي أنا الأخ أبو معاذ. قال : أنا متأسف لهذا التأخير، حيث أنني كنت أصلي الجمعة في مسجد بعيد. فقلت له في غضب : كان يجب في هذه الحالة أن تبعثوا لي واحدا لا يصلي. فضحك واضطررت أن أخفف وقلت في نفسي : (أهل السماح ملاح) ، وقلت للأخ الكريم: (إذا كنت تريد أن تصالحني تغديني غداء إسلاميا) وذهبنا إلى مطعم أخ جزائري قدم لنا طعاما شرقيا شهيا. وتوجهنا إلى المركز الإسلامي الذي وجدته في حالة ترميم وإصلاح على قدم وساق وأدخلني الأخ حجرة صغيرة فيها مكتب وتليفون ومنضدة تصلح أن تكون سريرا ودعاني للمبيت فيها - وكانت درجة الحرارة تحت الصفر - فاعتذرت فليس في الدار عوامل تدفئة.. ونزلت في أحد الفنادق المجاورة المجهزة بكل وسائل الراحة. وهكذا كثيرا ما يتعامل الاخوة الشباب مع الاخوة الشيوخ بأسلوب الشباب غافلين عوامل السن والصحة ظانين أن شيوخ الإخوان وقد تحملوا المحن والشدائد فهم على استعداد دائم لهذه الحالة في أي وقت وعلى كل وجه.. وهذا ليس من سنة الله في خلقه، ودوام الحال من المحال.
زائر من الكويت:
اتصل بي أحد الاخوة المصريين وهو يعمل موظفا بدولة الكويت، وقال لي إن أحد إخوانه له ابن طالب في الجامعة يريد أن يقوم برحلة سياحية في ألمانيا ولما كان لا يعرف أحدا هناك ليستقبله ويساعده فقد طلب مني أن أستقبله عند وصوله بالطائرة على مطار فرانكفورت وهو مطار هائل يحتاج إلى دليل.
وفعلا توجهت إلى المطار ومعي الأخ صلاح الجعفراوي في سيارة خاصة ، وفي الموعد هبطت الطائرة وترقبنا خروجه من البوابة وقد أعطوني أوصافه - حيث لم يسبق لي به معرفة - وخرج شخص تنطبق عليه هذه الأوصاف. فلما أقبلت عليه إذا به يتجه إلى الأخ صلاح يعانقه بأشواق حارة، إذ كان يعرفه من قبل ولم يكن الأخ صلاح يتوقع ذلك، واستغرق في عواطفه ونسي أن هناك من جاء له خاصة لاستقباله، حتى نبهه الأخ صلاح إلى اسمي، فمد يده يصافحني بدون حرارة. ووجدت نفسي في موقف غير لائق.. وتركت هذا الضيف لصاحبه يقوم بواجباته وذكرت قول الله تعالى {أن رآه استغنى} والمثل الذي يقول: ( اللي موش في القلب عنايته صعب).
قال أبو يزيد (1) : قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية، وكان رجلا مقصودا مشهورا بالزهد، فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقه تجاه القبلة. فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه. وقال: هذا غير مأمون على آداب رسول الله غير فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه.
بسيف الحياء:
شكا لي أحد الاخوة الطلاب أنه كلما ذهب مع إخوانه في طريقهم إلى الكلية قدموه ليدفع تذاكر المواصلات على أن يتبادلوا ذلك في المرات القادمة، ويتكرر هذا الأسلوب ويتحمل وحده ثمن التذاكر ويتهربون ! ويتمادون أكثر حين يدخلون في حجرته وهو غائب ويأخذون بعض ما يرد إليه من أهله من مأكولات ويفتحون حقائبه، كل ذلك دون استئذان أو اعتذار وإذا غضب ووجه إليهم عتابا اتخذوا من ذلك فرصة للضحك وتغطية الموقف.
مثل هذه التصرفات غير لائقة وغير كريمة وإن ما يأخذون بسيف الحياء يورث الكراهية، ولا تستمر مع هذه التصرفات زمالة أو صداقة.. فقد قيل : (شرط الموافقة قبل المرافقة).
خلع الأحذية عند دخول المنزل:
الإسلام دين يحث أتباعه على النظافة والطهارة {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، لهذا ينبغي على كل مسلم أن يتوخى النظافة والطهارة والنظام في كل شئون حياته ، ومن العادات والتقاليد التي أخذناها من مخالطتنا للأجانب في مصر أننا في حالة زيارتنا للأقارب والأصدقاء نخلع أحذيتنا عند الدخول في مساكنهم، فلا شك أن الأحذية أكثر احتكاكا بالأرض الملوثة بالزيوت والأوساخ والأتربة مما يكون سببا في تعريض الأبسطة والمفروشات للتلوث بينما نحن نؤدي عليها الصلاة أحيانا ، مما يدعونا إلى المحافظة على نظافتها وطهارتها.
وقد انتشرت عادة خلع الأحذية عند دخول المساكن في دول الخليج العربي والواجب علينا تعميمها في بيوتنا ونعود إلى عاداتنا الإسلامية الأصيلة. ومن العجب أن تسود هذه التقاليد عادات أكثر شعوب دول أوروبا وأمريكا فلا يدخلون مساكنهم قبل أن يخلعوا أحذيتهم في دولاب وضعوه عند مدخل بيوتهم تحررا من الأوساخ التي يقل وجودها هناك ، ونحن ما زلنا متمسكين بتقليدهم في عدم خلع الأحذية مع أنهم صاروا الآن يخلعونها.. فيا ليتنا نعتبر.!
من آداب اللقاء والوداع:
كثيرا ما يلتقي الاخوة بعضهم مع بعض، وقد يكون بينهم المرد من الصبية (وهم من لم تنبت لهم لحى ولا شوارب بعد) فيكون العناق وتكون القبلات على الوجنات، ودفعا للحرج الشرعي فمن المستحسن أن يقلع الجميع عن ذلك ، فإن غلبت العاطفة فلتكن القبلات على الأكتاف، وليمتنع الجميع عن تبادل القبلات مع الفرد امتثالا لهدى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ودفعا للوقوع في حبائل الشيطان.
من آداب الزيارة:
من لذلك الذي جاء يطرق باب أخيه في الواحدة صباحا فيزجره بأنه روع أخاه ؟ بل وروع معه زوجة أخيه وأبناءهما جميعا ؟؟!
لقد أمر الأخ المروع - حين سمع الطرقات على الباب - زوجته المروعة بدورها أن تعد له حقيبته على عجل إذ أن زوار الفجر على الباب.. وانتابت الزوجة نوبة شديدة من الفزع كادت معها أن تسقط مغشيا عليها ، ثم لم يلبث الأخ حيث فتح الباب للضيف المروِّع أن فوجئ به يعتذر له بأن الوقت متأخر وأن أمرا عاجلا هو الذي دفعه للمجيء في هذا الهزيع الأخير من الليل.. وإذا بالأمر تافه وبالخطب ليس بجلل.. وإنما هو فساد الذوق.. بل انعدامه ، وافتقاد للأدب الإسلامي الرفيع ذلك الذي يأمر بالاستئناس.. أي تخير الوقت المناسب واستشعار الضيف أنه سيكون مرغوبا فيه حين الزيارة.
الوقت هو الحياة :
جاءني مبكرا واستأذن في أن يتحدث معي في موضوع ، وجلس وأخذ يشرح لي بتوسع واستفاضة وأنا أسمع في النصف ساعة الأولى في انتباه واهتمام ، والنصف ساعة الثانية في نصف انتباه، وفى الثالثة توترت أعصابي فالموضوع الذي يتحدث فيه لا يتصل بي مباشرة وليس لي فيه إلا صلة المودة.. والصديق العزيز يتحدث إلي في حماس وينقد كل نقطة كأنه محام يدافع عن قضية صاحبها غائب.. ودعوت الله تعالى أن يلهمه الحكمة ويخفف فلعل فراسته تنبؤه عن طاقتي وصحتي وأنه ليس هو الوحيد الذي من حقه أن يزورني ويتحدث معي.
وقد تذكرت ما يفعله بعض الذين ذاقوا مثلى هذا الموقف حين يتعبون ويريدون أن يقطعوا على المتحدث اعتذارا لظروفهم ، فيقوموا واقفين إيذانا بانتهاء الحديث ! ولكن هذا الأسلوب لا يصلح مع الذين يظنون أن كل الوقت لهم مهما كانت الظروف ولو أدى ذلك إلى المرض ، متغافلين أن لكل إنسان ظروفه الخاصة، ولعلى فهمت لماذا كان الإمام حسن البنا يكتب على رأس مكتبه لافتة تقول : ( الوقت هو الحياة فعاون غيرك على الانتفاع بوقته). ولا تعجب أن تعلم أن حديثه استغرق أكثر من ساعتين وأنا أتحين لفرصة لأحرجه فأكون عديم الذوق.. حتى دوى أذان صلاة الظهر فأسرع مستأذنا.
حساسية مفرطة:
تعود أن يزور صديقه التاجر في محل تجارته وكثيرا ما تجئ جلسته بجوار درج المكتب (الخزنة) الذي يضع التاجر فيه أوراقه المالية في البيع والشراء، ويحدث أن يطلب من صاحب المحل أن يترك المكتب لشئون العمل فيقوم بإغلاق الدرج ويأخذ المفتاح معه، حتى إذا رجع عاود عمله بفتح الدرج مرة ثانية وثالثة حاسب ظروف العمل. ولاحظ صاحب المحل أن صديقه لم يعد يزوره كالمعتاد، وحين استفسر عن ظروفه من صديق لهما قال له: أن صديقنا يقول إنه كلما زارك في المحل، وحين تقوم تغلق درج المكتب الخاص بالنقدية مرارا وهو جالس إلى جواره فشعر أنه غير مؤتمن وأخذ على خاطره من هذا التصرف. فقال له صاحب المحل : إن صديقنا هذا يحمل الموضوع أكثر من الواقع، فالعمل التجاري له أصول لا تجامل الأصدقاء ، ولن أترك الدرج مفتوحا عند مغادرتي المكتب، وسوف يكون فيه قلق بالنسبة للطرفين، وإذا حدث أي خطأ في الحسابات فالظن ربما يفسد المودة.. لهذا كان من الواجب أن نقطع الشك باليقين محافظة على سلامة القلوب.
من حسن إسلام المرء:
كثيرا ما يقحم المسلم - حين يغيب عنه الخلق الإسلامي - نفسه فيما لا يعنيه، كمن يمضي حين يزور أخا له في بيته يسأل عن قيمة أثاث حجرة الاستقبال، أو عن دخل صاحب البيت، وكيف استطاع أن يدبر تلك المبالغ الطائلة التي أقام بها بيته، وعن عدد أفراد أسرته وكم عدد من يعول، وعن إخوانه وأخواته ومن تزوج منهم ومن لم يتزوج بعد، ولماذا ؟ وكثيرا ما يحدث مثل ذلك بين النساء، إذ أنهن أكثر خلق الله تساؤلا وتدخلا.. وقد حدث أن زارت واحدة منهن أختا لها حديثة عهد بوضع مولود، فذكرت لها أنه قد مضى على زواجها بضع سنين دون أن تنجب، ثم مضت تتعجب كيف استطاع زوج الأخت المضيفة أن يعثر على تلك الشقة الفسيحة في حين أن زوج الضيفة لم يستطع حتى وقت حديثها أن يعثر على شيء من ذلك !! إلى آخر تلك الأسئلة التي قد تحمل في ثناياها حسدا وغيرة، فضلا عما تسببه من حرج بالغ لدى المضيفة، ناهيك عما يعتريها من ضيق وألم نفسي لا بد أن ينعكسا على حالتها النفسية سيما وقد كانت في حالة إرضاع ، الأمر الذي سيسبب – غالبا – في إلحاق بالغ الضرر بصحة الطفل الرضيع.
الأدب والذوق القرآني :
{يا أيها الذين ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}.
يتميز توجيه القرآن الكريم بالأدب العالي والذوق الرفيع الذي يتحرك به المسلم في كل المواقف وكل الحالات.
وقد أرشدنا الله تعالى إلى هذا كمنهج سلوك حضاري يتميز به المجتمع المسلم ، وأرسى هذه القواعد حتى يلتزم بها كل مسلم في سلوكه وأخلاقه.
والآية الكريمة تضع هذه القواعد التي ترشد الأبناء ألا يدخلوا على آبائهم وأمهاتهم في مخادعهم قبل الاستئذان. حددت الآية الكريمة ثلاث مواقيت يحظر فيها على الابن الدخول على أمه أو أبيه في فراشهما إلا إذا أذنا له وهى الفترة التي تقع قبل صلاة الفجر، والفترة التي نخلد فيها إلى الراحة بعد الظهيرة، والفترة التي تلي صلاة العشاء وتستمر طوال الليل. وقد دهش أحد الصحابة عندما نزلت هذه الآية الكريمة فقال للرسول عليه الصلاة والسلام: هل أستأذن على أمي يا رسول الله؟ فقال: نعم.. فقال الصحابي : ولكنها أمي فكيف أستأذن عليها ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم في سماحة: هل تحب أن ترى أمك عارية ؟ فأجاب: لا. فقال: إذن يجب أن تستأذن قبل الدخول عليها في هذه الأوقات.
زيارة المريض:
كانوا معا في رحلة سعدوا واستمتعوا بها. عاشوا في نزهة ورياضة، وفيما هم لاهون يلعبون أصيب أحدهم بشرخ في ساقه فنقلوه إلى المستشفى وأبلغوا أهله بذلك. وتوالت عليه الزيارات بالمستشفى ثم بدأت تقل حتى كادت تتلاشى.. وظن كل واحد من إخوانه أنه هو الوحيد المقصر في حق أخيه وما درى أن الجميع يظنون ذلك. وبقى المريض المسكين يتنسم من بعيد عبير تلك المشاعر التي كان ينعم بها بين إخوانه ولكن لم يعد لذلك سبيل.
فليس من كرامة الإنسان أن يستجدى زيارة من إخوانه ، وتمضى الأيام ويعيش هذا الإنسان في غربة وكربة تزيد من مرضه وآلامه. وكثيرا ما قرأ وسمع ما ورد في الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".. يا عبدي مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين.. قال: إن عبدي فلانا قد مرض فلم تعده، ألا إن عدته لوجدتني عنده ".
وأحيانا يزامل أحدنا الآخر وتحدث لأحدهم مشكلة تحتاج إلى تعاون من صاحبه ومشاركته ظروفه الطارئة وملازمته في محنته.. ولكن في غمرة هذه الظروف لا تعرف كيف انسلخ صديقه من الموقف كما يفلت السهم من الرمية وكأن لم تكن بينهما سابقة مودة.
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول في حديث معناه: " من حسن مماشاة المرء لأخيه المسلم أن يقف له إذا انقطع شسع نعله ".
موعد زيارة المريض :
مرض الأخ أحمد حيدر بالقلب ودخل قسم الإنعاش في مستشفى التأمين الصحي بالإسكندرية. وجاء أحدهم لزيارته لأكثر من مرة وقيل له: إن الطبيب المعالج أمر بعدم الزيارة والتحدث معه. فقال: إنني أحبه في الله وأريد أن أراه ولن أجعله يتكلم، سوف أكلمه أنا وأعفيه من الحديث. قالوا له : إن الحاج أحمد لا يريد أن يقابل أحدا. قال: لا بد أن أسمع ذلك منه بنفسي ، فاضطر المرافق أن يمنعه.
والعجيب أن هذا الإنسان اعتاد أن يزور إخوانه في وقت متأخر ويعتذر أن ظروفه لا تسمح إلا بذلك وهو يعلم أن أكثرهم متزوج ومواعيد أعمالهم مبكرة، فتراه يجلس ويتحدث عن نفسه ومشروعاته ما وسعه الجهد من الحديث، والذي يستمع له يصيبه الإعياء. وقد تقول له في سياق الحديث : إنك على موعد للسفر صباح الغد، أو إنك كنت عند الطبيب للعلاج، كل هذا لا يدعوه إلى الرحيل إلا إذا صارحته بأنك على موعد مع النوم.
آداب زيارة المريض:
الذين قدر الله عليهم المرض هم الذين يشعرون بدقة الظروف وشدة الحرج الذي يتعرض له المرضى على أسرة المستشفيات. أحيانا يكون المريض في حالة لا تسمح بدخول الزوار، ولكن الزائر يحرص على أن يرى المريض أو يراه المريض كإثبات حالة، وبعضهم يصر على تقبيله، وآخر يجلس إلى جواره على السرير، وينسى الموقف ويهز رجليه. ويدرى كم يؤثر ذلك في نفسية المريض وعلى راحته ويستحي أن ينبه الزائر إلى ذلك. وأحيانا يتألم أهل المريض لثرثرة الزوار وجلجلة أصواتهم مما يؤلم المرضى المجاورين.
والمريض في العناية المركزة أكثر طلبا للراحة والهدوء الكامل، فإن كثرة الزائرين تستهلك من قوة المريض مما يكون سببا في مضاعفة الوقت والعلاج. ويكفى أن تترك بطاقتك أو تقابل أهل المريض للاطمئنان.
( منقول بتصرف )