دورة استثنائية بكل المقاييس

ليس بحكم حرارة حزيران ستكون الدورة الاستثنائية القادمة ساخنة واستثنائية فعلا , بل بحكم القوانين الجدلية المعروضة على اجندتها والتي تحتاج الى توافق سياسي ووطني هائلين مسنود برؤية لما سيأتي بعد قوانين اللامركزية والاحزاب والبلديات بوصفهما ثالوث اضلاع العمل الانتخابي والسياسي المؤسس لانتخابات برلمانية قادرة على انتاج مجلس نيابي رقابي وتشريعي بعد انسلاخ المهمات الخدمية عن عمله الى اعضاء المجالس الخدمية وتفرّغ النواب للرقابة والتشريع .
القوانين الثلاثة ستفتح بوابة الأمل لتجاوز ظاهرة نائب الخدمات وتجاوز ظاهرة تهميش الاطراف وحصر التمثيل بالعاصمة عمان التي باتت على خصام مع كثير من المحافظات بحكم احتكارها للقرار السياسي والقرار الخدمي وإفراغ المحافظات من تحقيق ورعاية مصالحها دون وصاية العاصمة وسطوتها , فالاطراف ستصبح صانعة قراراها الاقتصادي والتنموي والمنفذة له ايضا , وعلى النواب عند مناقشتهم للمشاريع الثلاث استذكار قانون الانتخابات وإبقائه حاضرا في الذهنية رغم غيابه عن جدول اعمال الدورة الاستثنائية .
ولو كنت مكان النواب لبدأت بمناقشة ترتيب البيت الداخلي اولا حتى يدخل النواب الى مناقشة القوانين الحساسة على ارضية واضحة لشكل النقاش وآلية صنع القرار , فالنظام الداخلي ومدونة السلوك النيابية ليسا شأنا داخليا بل منهاج عمل وطني لضبط جودة اداء النائب وعدم انسيابية القرار النيابي الى مواقع ومواضع غير القبة وما تحتها وغير غرف التشريع الاولى داخل لجان المجلس , فضبط جودة الاداء النيابي ستنعكس حكما على ضبط مخرجات النواب التشريعية وعلى طاولتهم قوانين تضمن خروج الاردن من عنق زجاجة الاقليم والتهاباته .
الازمة السائدة والضاربة على أعصاب الدولة الاردنية هي ازمة الثقة , والقوانين المطروحة على اجندة الدورة الاستثنائية ستفتح باب الثقة او ستغلقه وسندخل الى حالة انسداد وطني ولن تجد صناديق الاقتراع جمهورا إذا ما نوقشت تلك القوانين بالعقلية التقليدية وموازين القوى السياسية المقلوبة لصالح تيار اليمين المحافظ الذي كرّس جفاء الجمهور مع صناديق الاقتراع وكرّس انحسار الأمل بإحداث التغيير المطلوب , ولعل الاستراحة النيابية الى ما قبل الدخول في المعمعان النقاشي يستثمرها النواب في قراءة الاوراق الملكية النقاشية الخمس لتكون هاديا ومرشدا لإقرار القوانين فالاوراق الملكية حملت الرؤيا الحقيقية للتغيير وتنتظر عكسها في التشريعات .
قوانين الاحزاب والبلديات واللامركزية يجب ان تتم قراءتها كمتتالية سياسية وتنفيذية تبدأ بالمركزية وبعدها البلديات وبعدها الاحزاب , حتى تعرف الاحزاب طريقها الى الولوج في الخدمة العامة ويعرف الراغب في التفاعل الايجابي طريقه نحو الخدمة العامة وفي اي مضمار , مع التأكيد على ضرورة حضور قانون الانتخاب المنشود كخلفية في ذهن النائب حتى تكتمل رزمة العمل العام والية المشاركة فيه , فهذه القوانين يجب ان يتعامل معها المجلس النيابي والغرفة التشريعية الثانية كرزمة واحدة غير متضاربة او متناقضة .
عودة المواطن الى صندوق الاقتراع مرهونة بطريقة اخراج تلك القوانين الى العلن ومرهونة اكثر بمدى قبولها للتعددية السياسية وافساح المجال لكل القوى السياسية بالمشاركة وتحقيق الهدف , وهذا مرهون بإعتماد نظام التمثيل النسبي في كل الانتخابات القادمة بعد فشل نظام القائمة المغلقة ونظام الاقصاء الممنهج بقانون القوائم المغلقة , وسقوط نظرية الصوت الواحد الى الابد , وثمة خشية بأن اوساط اليمين المحافظ الممسكة بتلابيب الوجود حتى النهاية تبحث عن اجهاض فكرة التمثيل النسبي متحالفة بذلك مع تيار تسييس الدين وتيارات الاقصاء التقليدية .
الاوراق الملكية النقاشية خريطة طريق تحظى مضامينها بشبه اجماع وطني وهي الخلفية السياسية التي سيحكم من خلالها المواطنون على صلاحية وجودة القوانين الضامنة للاصلاح في الاردن وأظنها مانفيستو وطني – أي الأوراق الملكية – لذلك على النواب مراجعتها مجددا والاحتكام الى مضامينها عند المناقشة والتصويت والصياغة وهذه فرصة للمجلس كي يدخل دورته العادية القادمة براحة وشعبية تؤهله لإكمال مدته دون ضغط الرحيلش.