قرار جريء ينتظر الأجرأ منه
قرار جريء اتخذته وزارة التعليم العالي برفع معدلات القبول في الجامعات الرسمية من 65 % لتصبح 70 %، وفي الجامعات الخاصة من 60 % لتصبح 65 %، والقرار الاكثر جرأة المنتظر من مجلس التعليم العالي حسم موضوع الاستثناءات لا "تقنينها" كما يقول وزير التعليم العالي الدكتور لبيب الخضرا.
سوف ترتفع الاصوات المعارضة للقرار، وقد ارتفعت فعلًا، حتى وصلت الى التهديد من قبل نواب بحجب الثقة عن وزير التعليم العالي، لكن من يجرؤ أن يقول إن الـتعليم العالي في بلادنا لا يحتاج إلى ثورة، ومعالجات جذرية حاسمة وقاسية، بعد أن وصل إلى ما وصل إليه.
يكفي مثلما يقول الوزير الخضرا: "إن قرار رفع الحد الأدنى لمعدلات القبول سيؤدي إلى تحسين مدخلات الجامعات الرسمية، وسيقلل على المدى البعيد من العنف الطلابي أو الجامعي"، كما سيؤدي إلى "تحسين مدخلات الجامعات الخاصة، وسيزيد من عدد الطلبة الدارسين فيها"، ولن يؤثر ذلك سلبًا في استثمارات القطاع الخاص في التعليم العالي".
في الأردن عشر جامعات حكومية، وسبع عشرة جامعة خاصة معترف بها على مستوى الدول العربية، وبعض الجامعات الأجنبية كالجامعة الأميركية والجامعة الألمانية الأردنية. وتستقطب الجامعات الأردنية كل عام عددا كبيرا من الطلبة الأجانب، وباتت بعض الجامعات واجهات أكاديمية لدول تعرضت لهزات سياسية، حيث تجد غلبة واضحة لأساتذة من جنسية معينة في جامعة خاصة مثلا، وكذلك بالنسبة لطلبتها، وكأنك في جامعة ليست أردنية تؤدي دورها على أرض أردنية، وهذا لا يعيب، بل قد يكون استثمارا نوعيا ونقلة إلى الأمام، خاصة إذا تمكنا من تحقيق التوازن بين فكرة إنشاء جامعة خاصة والالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية لرسالة التعليم العالي.
وقد أجمعت معظم الدراسات على أن التعليم العالي يمر بمعضلة تهدد مستوى هذا القطاع الذي كان يعد مفخرة للأردن، وهذه المعضلة ازدادت تعقيدا بعدما أصبح الربح المادي هدفا رئيسا لمؤسسات التعليم العالي.
في معظم دول العالم أكاديميات التعليم العالي هي مؤسسات غير ربحية ممولة إما من الحكومات وإما وصلت إلى درجة من السمعة الأكاديمية تؤهلها لجلب التبرعات والوقفيات والمنح لتمويل نفسها. ولكن الجامعة أصبحت شركة تعتمد على تسليع المعرفة، بحيث صار الطالب زبونا والمدرس بائعا. هذا التوجه الاقتصادي أفرغ تلك المؤسسات من فكرة مجمعة يتمحور حولها الهدف من إنشاء الجامعة.
قبل فترة اضطر وزير سابق مسؤول عن التعليم العالي أن يصف وضع التعليم العالي بانه "في غرفة الإنعاش"، وهذا يعني أن مخرجات التعليم انخفضت إلى مستوى لم يعد مقبولا السكوت عليه، حيث الحريات الأكاديمية مقموعة، والبنية التحتية للجامعات والخدمات لم تعد تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلبة، وهو ما نتج عن فتح البرنامج الموازي على مصراعيه، إضافة إلى قبول أعداد كبيرة من الطلبة تحت بند الاستثناءات التي أصبحت تشكل ما يزيد على الـ 60 % من مجموع المقبولين على القبول الموحد، إضافة إلى التضخم الإداري والفساد والمحسوبية، ما يعني تراكم عبء ثقيل على موازنات الجامعات الرسمية.
إدارات بعض الجامعات تتحول مع الأسف إلى إدارات لشركات استثمارية تنظر إلى الجامعات من منظور الربح والخسارة والمديونية فقط، ومع هذا لا تمنح الكوادر التعليمية من أساتذة ومدرسين حقوقهم المالية بشكل يليق بسمعة المدرس الجامعي، وهي تتعامل معهم موظفين من الدرجة التاسعة في مؤسسات وشركات خاسرة.