تحرير أم تدمير؟!
منذ أن سيطر تنظيم "داعش" في العام 2014، على مدينة الرمادي؛ مركز محافظة الأنبار، ونحن نسمع باستعدادات عسكرية حكومية لاقتحام المدينة واستعادة السيطرة عليها. ومنذ نهاية أيلول (سبتمبر) 2015 وحتى منتصف كانون الأول (ديسمبر) الحالي، شنت القوات الحكومية ومليشيات الحشد الشعبي أكثر من 19 هجوماً، جميعها باء بالفشل بشهادة قادة التحالف الدولي والجيش الحكومي.
اليوم، نحن أمام معركة كبيرة في الهجوم رقم 20، والذي بدأت عملياته قبل عشرة أيام. ويبدو أن شعار "الأرض المحروقة" يطبق بدقة في معركة الرمادي المستمرة حتى الآن.
ويبدو أن الهجوم على الرمادي -بحسب ما أكد خبراء ومحللون- قد رُتب بدقة، وأن مقاتلي "داعش" تأكدوا أنه مختلف عن بقية الهجمات، نتيجة الضربات الجوية المستمرة، والتي أحرجت مقاتلي التنظيم، بدليل أن زعيمه أبو بكر البغدادي أقر، بصورة غير مباشرة، بتراجع التنظيم وزيادة خسائره، إذ قال في خطابه قبل خمسة أيام: "إن أصابنا القتل وكثرت الجراح وعصفت بنا النوائب وعظمت المصائب، فإن الابتلاء قدر محتوم".
وفي ليلة الأحد الماضي، أكدت مصادر في الجيش الحكومي ببغداد أنه "استعاد السيطرة على آخر معاقل تنظيم "داعش" في الرمادي"، وفي الليلة ذاتها أكد مسؤول عسكري أميركي أن "التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا يمكنه في الوقت الراهن تحديد ما إذا كانت قوات الأمن العراقية طهرت المجمع الحكومي في الرمادي".
وحتى ساعة كتابة هذا المقال، لم تتأكد سيطرة القوات الحكومية على مركز مدينة الرمادي. وهنا يمكننا تحديد أهم الصعوبات أو المعوقات التي تقف أمام القوات الحكومية لاستعادة سيطرتها على المدينة خصوصاً، والأنبار عموماً:
- ضعف الإمكانات التكتيكية والدعم اللوجستي للقوات الحكومية.
- وجود تجمعات سكانية وشوارع ملتوية وضيقة، ما جعل من حرب الشوارع معقدة جداً.
- تفخيخ المنازل والطرق في الرمادي، وانتشار القناصة والكمائن التي نصبها مقاتلو "داعش".
- ضعف المشاركة الشعبية من قبل أهالي الأنبار في القتال ضد التنظيم بسبب تخوف الأهالي من التجربة السابقة، التي شاركوا فيها في قتال تنظيم "القاعدة"، ثم بعد ذلك صاروا ضحية للقوات الحكومية، واتهموا بأنهم من مساندي التنظيم، ودفعوا الثمن غالياً.
- وجود أكثر من ثلاثة آلاف عائلة، بينها نساء وأطفال، ما يعني أن قتل هؤلاء سيثير ضجة شعبية وإعلامية كبيرة ضد الحكومة التي تحاول جاهدة أن تظهر نفسها بأنها بعيدة عن النهج الطائفي، بينما الواقع لا يسعفها في ذلك.
هذه الأسباب وغيرها جعلت معركة الرمادي الحالية معقدة جداً، وربما لا يمكننا التكهن بسرعة انتهائها، والوقت اللازم لإتمام القوات الحكومية سيطرتها على كامل أحياء المدينة المترامية الأطراف.
استخفاف القوات الأمنية المهاجمة بسلامة المدنيين في الرمادي، رغم إدعاء حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي توفير ممرات آمنة لخروج العائلات، يؤكد همجية وطائفية القوات المهاجمة. وهو ما أكدته بعض التقارير الصحفية المحايدة الواردة من الرمادي، والتي أثبتت "تعرض العديد من أحياء المدينة لقصف من الطائرات والمدفعية راح ضحيته عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال. وعندما حاولت العديد من العائلات الخروج باتجاه منطقة الحميرة، لم تجد منفذاً للخروج، وتعرضت للقصف هي الأخرى على الرغم من حملها رايات بيضاء"!
حجة استعادة السيطرة على الرمادي أو تحريرها لا يمكن أن تكون سبباً لتدمير المدينة. والمتابع للصور المنقولة من الرمادي يلاحظ أن المدينة صارت عبارة عن ركام من الإسمنت والحديد، نتيجة للقوة المفرطة المستخدمة جواً وبراً، ولا ندري ما هو مصير المدنيين فيها!
هذه السياسات الانتقامية أوصلتنا لقناعة -لا شك فيها- أن المخططات الجارية على أرض الأنبار هي مخططات تدميرية لجميع جوانب الحياة الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والمدنية. ولا يمكن أن يكون ما جرى -ويجري- إلا مؤامرة تهدف إلى إحداث فتنة طائفية وتغيير ديموغرافي!
نحن لا ندري هل نحن أمام حرب لتحرير المدينة، أم لتدميرها وهدمها على رؤوس أهلها؟!