روسيا في الأزمة السعودية-الإيرانية
الاستنتاج السائد، منطقياً، مع بلوغ أزمة العلاقات السعودية-الإيرانية ذروة جديدة، هو تصاعد حروب الوكالة، على الأقل، بين البلدين. لكن إذ يبدو هذا الأمر أقرب إلى المؤكد في حرب اليمن، فإن الوضع في سورية قد يكون العكس، ولو بدرجة ما وليس بشكل تام؛ وذلك فقط بسبب وجود طرف ثالث هو روسيا التي يمكن لها لعب دور إيجابي هناك.
فبإعلان السعودية قرارها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، أول من أمس، عقب اقتحام سفارتها في طهران، يكون الطرفان، حكماً، قد عادا إلى مواقف المطالب القصوى بشأن كل خلاف، لاسيما اليمن وسورية.
وفيما ينفذ التحالف العربي بقيادة السعودية عمليات عسكرية مباشرة في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران والمتحالفين مع قوات علي عبدالله صالح؛ فإن الحرب السعودية-الإيرانية في سورية (بافتراض أنها ما تزال حرب وكالة، رغم وجود قوات الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية)، تعترضها روسيا التي لم تعد الحرب السورية بالنسبة لها حرب وكالة أبداً، وذلك أساساً لأسباب معنوية، ناهيك عن التدخل العسكري المباشر.
والتصعيد السعودي-الإيراني في سورية سيؤدي حتماً إلى استهداف روسيا التي تقف إلى جانب إيران بحكم اشتراكهما في الدفاع عن نظام بشار الأسد. وهذا الاستهداف سيكون على صعيد تحقيق الأهداف الروسية أساساً بالتوصل إلى تسوية وفق شروط موسكو. لكن ربما يصل التصعيد إلى مستوى التكلفة المادية باستهداف الطيارين الروس، ولربما جنود مشاة في مرحلة لاحقة.
في هذا السياق، يمكن فهم إعلان وزارة الخارجية الروسية، أمس، استعداد موسكو لدعم حوار بين الرياض وطهران. هذا طبعاً بالإضافة إلى التوق الروسي إلى تأكيد الحضور الفاعل سياسياً، وليس عسكرياً فقط، في المنطقة.
ويفرض المنطق أيضاً هنا الوقوع في محظور "التفاؤل"! في حالة جدية موسكو بشأن لعب دور الوسيط بين السعودية وإيران، كما أكد أمس مسؤول روسي. فمثل هذا الدور لا يمكن أن يكون في حدود العودة إلى ما قبل تداعيات إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، بل لا بد وأن يقوم على رؤية مستقبلية لمعالجة الملفات المتفجرة في المنطقة، والتي تشكل ساحات صراع سعودي-إيراني.
طبعاً، رغم منطقية التفاؤل السابق، فإنه يظل محض أمنيات في منطقة غادرها المنطق منذ أمد بعيد. ويتضافر ذلك مع تعقد مدخلات الصراعات وتعدد أطرافها. فحتى اللحظة، لا يُعرف حجم النفوذ الروسي في سورية مقارنة بالنفوذ الإيراني، وبالتالي ما إذا كانت موسكو تملك فعلاً اليد العليا هناك حتى بعد تدخلها العسكري المباشر، بحيث تستطيع ترجيح كفة تسوية ما.
لكن البديل لذاك المنطق ليس أقل من فتح صندوق "باندورا" للشرور، والتي صارت تتطاير فعلاً على امتداد المنطقة، لكنها قد تمتد بشكل أوسع بكثير.