مصلحة الوطن قبل كل شيء
مقال أول من أمس، تحت عنوان "سياسة مرتبكة"، والمتعلق بضمان استقرار مخزون المملكة من القمح، فتح الباب واسعا للعديد من الأطراف المعنية بالملف لكي تُدلي برأيها.
الآراء التي قدمتها هذه الأطراف، المتعددة والمختلفة، أكدت على فكرة غياب الرؤية في إدارة هذا الملف، رغم حساسيته وأهميته، وحملت كثيراً على وزارة الصناعة والتجارة وسياستها المرتبكة فعلا، وغير الواضحة، فيما يتعلق بالقمح والشعير.
بعض التجار اشتكوا من أن شخصاً واحداً، وهو أجنبي لا يحمل الجنسية الأردنية، يكاد يسيطر بشكل تام تقريباً على عطاءات القمح في المملكة. كما يرى هؤلاء التجار أن المشكلة ليست في المواصفة الأردنية، بل في بعض الشروط التي تحول دون تمكنهم من المشاركة في العطاءات.
هذا الفريق يشكو من تشدد الجهات الرسمية في شروط التقدم، ما يغلق الباب في وجه رغبتهم في العمل بالأردن. ومن ثم، يطالبون بمراجعة هذه الشروط، لإنهاء ممارسة قائمة تكاد تقترب من الاحتكار لسوق سلعة القمح الاستراتيجية، كما الشعير.
ويوضح هؤلاء التجار أن الاختلاف مع الوزارة قائم بشأن شروط دعوة العطاءات؛ إذ تتضمن -بحسبهم- شروطا غير منطقية أو عملية، تعتمد على الجباية فقط إذا ما قورنت بدعوات العطاءات في لبنان ومصر والسعودية والإمارات وتونس والجزائر.
ويتساءل هذا الفريق، في تدعيم لروايته: لماذا يشارك في عطاءات الدول المجاورة ما بين 12-20 شركة عالمية، فيما لا تشارك سوى شركتين أو ثلاث في العطاءات الأردنية؟! والذي يتقدم أساساً لهذه العطاءات في الوقت الحاضر هو الشركة صاحبة الشحنة البولندية التي تم رفضها العام الماضي، والتي تعود ملكيتها لشخص غير أردني.
في المقابل، فإن تجاراً يشكلون فريقا آخر يعتقدون أن المشكلة في المواصفة الأردنية؛ إذ يتهمونها بأنها أكثر تشددا من مواصفات دول كثيرة مجاورة. وهؤلاء يطالبون، بالتالي، بتخفيف شروط المواصفة، لا فيما يتعلق بالقمح فحسب، بل وأيضاً بشأن الذرة والشعير.
ومن وجهة نظر شخصية، تستشعر في كلام الفريق الأخير دفاعا عن مصالح خاصة، عبر محاولة إدخال سلع إلى السوق المحلية أقل جودة مما هو موجود حالياً. ولعل ذلك ما يفسر حقيقة أن اتهامات هذا الفريق لا تقتصر على مؤسسة واحدة، لاسيما "الغذاء والدواء"، بل هي تطال كل الوزارات والمؤسسات المعنية، منها "الصناعة والتجارة" و"الزراعة" و"المواصفات والمقاييس"، لتبدو مطالبه بعيدة عن مصالح المجتمع التي منطلقها تطبيق مبدأ حماية المستهلك من تدني جودة القمح وغيره، ومن دون حساب من قبل هؤلاء للضرر الذي يمكن أن يمس صحة الناس.
وحتى لو كانت المطالب بشأن المواصفة الأردنية عادلة؛ بمعنى أن ثمة تشددا غير مبرر فيها، فإن تعديل هذه الأخيرة لا يكون بممارسة ضغوطات على الحكومة، وإنما من خلال تشكيل لجنة خبراء مستقلة، تدرس المواصفة الأردنية وتقارنها بأرقى المواصفات العالمية في هذا المجال، وليس بمواصفات دول مجاورة، لأننا جميعا نعلم ما هو الغذاء الذي يتناوله المواطن العربي عموماً.
حماية المواطن وخبزه، هي أقل واجب تقوم به الحكومة تجاه الأردني؛ إذ من حق الناس أن يتناولوا خبزا لا يضر بصحتهم. كما من واجب الحكومة أن تنهي الممارسات السيئة في سوق القمح المحلية، وتنويع مصادر الحصول عليه، منتجين وموردين.
وطبعاً، من حق كل طرف الدفاع عن مصالحه وتقديم وجهة نظره، والحكومة مطالبة بدورها بالاستماع للجميع، لكن عليها أولا وأخيراً تقديم مصلحة الوطن على كل شيء آخر.