نريد حلاً!
بالرغم من الجهود الكبيرة التي بُذلت خلال العامين الماضيين لقمع حالات التنمر على الدولة والقانون، وإعادة هيبة الدولة، تحت عنوان "سيادة القانون"، في أكثر من مجال، وبقرار من أعلى المستويات، إلا أن هناك "معضلات" ما تزال إلى الآن تحتاج إلى رؤى أمنية وحلول جذرية تتجاوز الأسلوب التقليدي-الأمني المتّبع.
إحدى أبرز هذه المعضلات وجود عدد من الأشخاص الذين يقودون ما يشبه "العصابات"، ويقومون عبر استخدام القوة بتحقيق منافع مادية، ولهم سلطة غير معلنة في المجتمع، تجعلهم بالفعل خارج سلطة القانون، لكنّهم يعرفون تماماً كيف يهربون من تطبيق القانون، بوسائل ملتوية ومتعددة.
حدّثني رجل قبل أيام، وهو من سكان أحد أحياء عمان الشرقية، عن حفلة مواجهات مسلحة وإطلاق للرصاص كانت بالقرب من منزلهم. ليخرجوا صباحاً فيجدوا سياراتهم جميعاً متخمة بالرصاص نتيجة تلك "المعركة"، التي شبّهها الرجل بـ"معارك الرمادي" الأخيرة!
بالطبع، الأشخاص الذين يقفون وراء هذه "الفوضى الأمنية" معروفون. وعندما تم استدعاء الرجل إلى المركز الأمني، وطُلب منه الإدعاء على المجموعة المعروفة، بعدما تمّ إلقاء القبض عليها، رفض، وخشي أن يكون مصيره مثل آخرين تم الاعتداء عليهم لاحقاً من قبل المجموعة نفسها، لأنّهم اشتكوا على أفرادها!
المعضلة تكمن في أنّ هناك خشية مشروعة ومبررة من قبل أصحاب محال (يجبرون على دفع الأتاوات لهذه المجموعات، أو متضررين منها)، من التقدم بشكوى أو تسجيلها بصورة قانونية، لأنّهم سيضعون أنفسهم وعائلاتهم في "خطر" الانتقام. وهو أمر حدث بالفعل في مّرات عديدة سابقة. لذلك، يفضّل كثيرون تجرّع الخسارة والقبول بحالة الضعف على الدخول في مواجهة غير متكافئة مع هذه المجموعات.
سبق وأن كتبت عن قصة محزنة لرجل فقد ابنته الوحيدة في هذه الأحياء، لأنّ شابا مراهقاً كان يلعب بالسلاح. وقد اضطر الرجل إلى التراجع عن الشكوى، وتكذيب نفسه، لاحقاً، بعدما تعرّض هو وعائلته لتهديدات جديّة!
مثل هذه الظاهرة لا تقتصر على أحياء معينة، وإن باتت معروفة في عمان الشرقية وبعض المناطق التجارية؛ إذ لها وجود في محافظات ومناطق أخرى من المملكة، كما أنّها تأخذ مستويات متعددة، تبدأ من إجبار أصحاب محالّ صغيرة على دفع الأتاوات، وصولا إلى أندية ليلية تدفع لهؤلاء الأشخاص مقابل "الحماية الوهمية" لهم، لكنّهم يدفعون في الحقيقة لضمان عدم اعتدائهم عليهم.
في أوقات كثيرة، مارس المسؤولون حالة الإنكار لوجود تلك الاختراقات الخطيرة للحالة الأمنية وللقانون في البلاد، فكانوا ينكرون وجود بؤر مستعصية على الأمن. وشهدنا خلال أعوام سابقة انتشار ظاهرة سرقة السيارات وتعاطي المخدرات، وانتهاك قاعات الثانوية العامة، والتعدّي على آبار المياه.
لكن خلال العامين الماضيين، حدثت "انتفاضة" حقيقية من قبل الدولة، وواجهت هذه الظواهر السافرة في الإخلال بالأمن. فتقلّصت سرقة السيارات بصورة ملموسة، وأعيد الضبط والأمن لقاعات الثانوية العامة، وتمت ملاحقة سرقة المياه، وكُشف النقاب عن حجم انتشار المخدرات. وهي تطورات مهمة على صعيد الاعتراف بالمشكلة أولا، والمضي في الطريق إلى معالجتها ثانياً.
ظاهرة رؤساء العصابات والتنمّر على القانون تبدو أكثر تعقيداً. وضمن العملية القانونية والأمنية الحالية، يصعب الوصول إليهم وإدانتهم، لأنّ هناك عنصر الخشية لدى المواطنين من الإدعاء عليهم، ما يتطلب البحث عن طرق فّعالة لوضع حدّ لهذه الظاهرة المزعجة، التي تحمل شكّاً عميقاً لدى أي مواطن في هذه الأحياء بأنّه آمن ومحمي من قبل الدولة!
هؤلاء معروفون لدى الأجهزة الأمنية، ولهم سجل حافل في الخروج على القانون، ومن الضروري تغيير المقاربة الرسمية في التعامل معهم.