ضبابية المصطلحات !
أثار مقالي السابق بعنوان " التوحش الحضاري " نقاشاً مفيداً بيني وبين عدد من أصدقائي حول الفرق بين مصطلح الحضارة ، ومصطلح المدنية ، وكان هدفي من المقال التنبيه إلى أن حضارتنا العربية الإسلامية تواجه مأزقاً كبيراً وخطيراً ، تعبر عنه الأحداث التي تمر بها منطقتنا تعبيراً مؤلماً في وحشيته ، وصورته القاتمة على المستوى الدولي والإنساني .
ولم يكن النقاش يقودنا إلا إلى مزيد من الضبابية في تحديد معاني المصطلحات ، خاصة عندما يطغى مصطلح على الآخر ، كمصطلح الثقافة ، أو السلوك الاجتماعي ، أو الأخلاق ، وغيرها مما يجعلنا ندرك أن مجرد البحث في تلك الأزمة هو إشكالية لغوية وفكرية وبحثية ، تضيف بعداً آخر لتناقض الحضارة الواحدة ، أي غياب العلاقة المنطقية بين اللفظ والمعنى في لغتنا العربية ليس عجزاً فيها ، ولكن عجزاً منا في فهم مدلولات الكلمة ومكانتها أو علاقتها بقيمة معناها الصحيح !
تلك مشكلة تتفاقم عندما تجد أن عند كل متحدث ما يكفي من الدلائل على صحة تفسيره لتلك المصطلحات ، والمشكلة الأخطر هي عندما تكتشف أننا نتحدث بلغة مأزومة عن أزمة الأمة ، وما تواجهه من تدمير لبنيتها التحتية ومنجزاتها الحضارية ، وقيمها الإنسانية ، وحين تكتشف أيضا أن قدرة التحريف والتأويل حتى في النص القرآني ، والسنة النبوية قد تجاوزت كل الحدود ، بدليل الدماء المسفوكة والمهدورة التي تستباح كل يوم على الأرض العربية بشكل خاص ، وفي أنحاء مختلفة من هذا العالم .
والسؤال الكبير هو ، ما الذي يمنعنا من إعادة صياغة تلك المصطلحات المتداخلة على بعضها البعض ، على أمل أن نتمكن من الوصول إلى لغة واضحة معبرة ، تعيننا على تقديم وصف دقيق لحال الأمة ، وصياغة مشروع لغوي بلا مترادفات ، نؤسس عليه خطاب المستقبل ، لكي يكون واضحا لنا ، قبل أن يصير واضحا لغيرنا ؟
لا شيء يمنعنا ، ولذلك فأنا أدعوا إلى مراجعة لغوية ، حتى نتمكن من إجراء مراجعة فكرية ، نحن بأمس الحاجة إليها ، لتغيير موقفنا تجاه الحياة ، وإلا سنظل تائهين في ضبابية مصطلحات لا قيمة لها عند أمة دمر ارثها الحضاري والإنساني ، ونهبت متاحفها ، وسرقت مخطوطاتها ، وصودر مستقبلها !