إدارة تقليدية لظروف استثنائية
صحيح أن الظروف الإقليمية أساساً، إضافة إلى أحوال الاقتصاد العالمي، تشكل عاملا ضاغطا على الاقتصاد الأردني؛ وهو ما يستطيع أي متابع لما يجري حولنا تقدير تبعاته الخطيرة على البلد. إلا أن ذلك لا يعني الاستسلام للواقع الصعب.
الحكومة الحالية ورئيسها يُشهَد لهما بأنهما اتخذا العديد من القرارات الصعبة. لكن ما يُحسب عليهما، في الوقت ذاته، هو عدم تقديم رؤية وطنية تساعد الاقتصاد على التخفيف من وطأة الضغوط الخارجية؛ إقليمياً ودولياً. وقد بدأت تظهر نتائج هذا الإخفاق على مختلف القطاعات التي لم تسعفها الحكومة بإجراءات تخفيفية تسندها في أزمتها، وتمكّنها من الصمود في وجه كل ما تتعرض له من خسائر، تضطرها في النهاية إلى الخروج من السوق.
فإذ تتعدد أسباب الأزمة، غالباً، بتعدد القطاعات، إلا أن النتائج تظل متشابهة: أصحاب أعمال في مجالات متنوعة يضطرون لإغلاق أبواب رزقهم، والتي هي أيضاً أبواب رزق أردنيين يشتغلون فيها.
الحل لهذه المعضلة هو من واجبات الحكومة، التي عليها التفكير ضمن هذه الظروف الاستثنائية بحلول استثنائية، بحيث تسعى، أولا وأخيرا، إلى الموازنة بين متطلبات الخزينة من الإيراد، وبين الحفاظ على العديد من النشاطات الاقتصادية التي أنهكها ارتفاع الكلف، سواء تلك التي فُرضت في عهد الحكومة الحالية أو حكومات سابقة.
أما عدم اتخاذ خطوات بهذا الاتجاه، فسيجعلنا نشهد خروجا جديدا لأصحاب أعمال، من بيئة عمل بدأ هؤلاء عموماً يصفونها بأنها غير صديقة لهم ولمشاريعهم.
آخر الأمثلة على الوضع الصعب محليا، والذي ليس إلا إفرازا لتأخر القرارات المطلوبة، نتيجة غياب الرؤية الشاملة، هو الواقع الحالي المحزن لشارع الوكالات؛ حيث أغلقت نسبة كبيرة من المحال أبوابها، بعد انعدام البدائل لدى أصحابها، نتيجة ارتفاع الكلف أولا، وتراجع الطلب ثانيا بحكم الظروف الضاغطة على حياة الناس.
المسألة الأخرى التي تبرز في السياق ذاته، تتمثل في أن تسعى الحكومة إلى خلق شراكة حقيقية مع القطاع الخاص الذي بات يظن أنه شريك الحكومة فقط في تسديد الضرائب! فيما يتم إغفال رأيه بشأن العديد من الملفات، وتحديدا إقرار التشريعات التي تمس هذا القطاع؛ بدءا من قانون الضريبة وليس انتهاء بقانون الاستثمار.
اليوم، يحتاج أصحاب الأعمال إلى تقدير حكومي، يستشعر حجم الأزمة التي يمرون فيها. وبناء على ذلك تسعى الحكومة إلى وضع برنامج إصلاح وطني يدرك المخاطر والتحديات، ويسعى إلى التخفيف منها، بشكل يضمن صمود العديد من مشاريع تقترب هي الأخرى من السقوط.
إضافة إلى ما سبق، هناك قضية قد تبدو بسيطة، وهي الخاصة بالعقلية الرسمية التي تتولى التعامل مع الاستثمار وكل المؤسسات المرتبطة بتسهيل مهام المستثمرين، وضرورة تغييرها الآن تخفيفا عنهم، وكسبيل لإيصال رسائل حسن النوايا الحكومية. ومن ذلك، مثلاً، شروط الحصول على موافقات مسبقة لتملك سيارة. إذ ما المغزى من هذه النقطة، طالما كانت هذه الشركة قانونية ومسجلة رسميا، وشراء سيارة أو عقار ليس إلا جزءا من استكمال متطلبات البدء في إنشاء المشاريع وإنجازها؟!
شكاوى المستثمرين في هذا الجانب مريرة، لأن كل هذه الشروط/ المتطلبات تعطل عملهم. وأهم من ذلك أنها تخلق انطباعا بأن الأردن، الذي يتحدث عن جذب الاستثمار يوميا، غير قادر، برغم كل هذا الحديث، على تجاوز بيروقراطيته بكل تفاصيلها المزعجة، فما تزال مسيطرة العقلية المعيقة للأعمال، والتي لا تهدف أبدا إلى التخفيف عن أصحابها.
اليوم، على الحكومة الوقوف على التفاصيل، والبحث عن حلول وإجراءات تشعِر المستثمر -كبر حجم استثماره أم صغر- أنها تقدر الأزمة التي يمر فيها، وتسعى إلى التخفيف من حدتها. وذلك ما يعني باختصار، التخلي عن إدارة الملف الاقتصادي بعقلية تقليدية، في مواجهة ظروف استثنائية بامتياز.