الهوية القاتلة في المناهج الأردنية!
بالاعتذار من الأديب أمين معلوف صاحب كتاب "الهويات القاتلة"، وعطفاً على ما جاء في مقالة الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، عن المناهج التربويّة، في "الغد" قبل أيام، من أنَّ هذه المناهج تحتفي احتفاءً غير عاديّ بالهويّة، فإني أودّ أن أفصّل القول قليلاً في موضوع الهويّة التي تقفُ مثل جدار الفصل العنصريّ الذي أقامته دولة العدوّ في وسط فلسطين. فقد تحوّل خطاب الهوية وواقعها في الحياة العربيّة المعاصرة إلى أداة قتلٍ لكلّ ما هو إبداعٌ وتقدُّم وتغيير. ذلك أنّ التمترس خلف هذا الخطاب يجعل من المستحيل للاختلاف المنطقيّ (الذي هو سمةٌ أوليّة من سمات التطور والترقي) أن يأخذ مكانه في القبول النفسي والعقلي والاجتماعي.
فما دامت المرأة لا تظهر في المدرسة، كمعلمة، وفي الكتب المدرسيّة، أمّاً أو معلمةً أو زوجةً، إلا محجّبة وفي أكثر أدوارها تقليديّة، فإنّه من الصعب أن يمتنع مجتمع هذه الكتب عن وصم امرأةٍ مفكّرة مثل فاطمة المرنيسي، أو أديبةٍ كبيرةٍ مثل حنان الشيخ، والامتناع عن الاطلاع على إنجازهما، ناهيك عن التأثّر به واحترامه، لأنهما سافرتان وموصومتان، من ثمّ، بالعلمانية والاستغراب والعمالة -ربما- للغرب الكافر!
وليس هذا السيناريو الرديء من بنات أفكاري، فإنّ المقالة اليوم التي تتحرّشُ بساكن القناعات والأفكار، إذا كانت كاتبتها سافرةً، تناوشتْها أقلامُ المارة بالعلم مرور الكرام، بأوصافٍ مثل تلك التي مرت في منتصف الفقرة السابقة (علمانية، عميلة للغرب)، بل وأكثر (ملحدة، كافرة، سافرة، منحلّة...)، حيثُ تحتشدُ شتائم من العيار الثقيل، تعبّر عن أنّ هذا التحرّش بساكن القناعات ليس سوى خطرٍ يتهدَّدُ أمنَ الهويّة!
وإذا أضفنا إلى ما سبق، صورةَ الماضي الذي نقدس، استكملنا في الخطاب الديني والمحافظ المعاصر أهمّ أركان الهويّة، التي أطلقنا عليها "الثوابت"، مما جعل المناهج المدرسيّة حتى الساعة تنغل بأشكال عجيبة من تقدير هذا الماضي، وتصنيمه، والدوران في فلكه، مما يغدو مستحيلاً أن يتواءم الطالبُ والطالبةُ مع عصرهما الحالي ومتطلباته ومشاكله!
وبذا تتحوّل الهويّة هنا إلى حائط صدٍّ ضخم يحول دون التفاعل مع الآخر لأنه مختلف. ويجعلها المرجع الوحيد والأهمّ في العلم والمعرفة البشريّة. فيخرجُ من التاريخ شعبٌ بأكمله اختار فيه جهازُ التربية والتعليم أكثر الأفكار رجعية، لصنع عقول، لا تنتجُ سوى عجز وتشوهات!
لنحاول أن لا نفقد الأمل...!