الإسرائيليون يتذكرون ويذكّرون
تذكر الاسرائيليون، وخصوصاً جيشهم، هذا الأسبوع، مشاهد من انتفاضة الأقصى؛ وذلك عندما قام أمجد سكري، أحد أفراد الأجهزة الأمنية، بمهاجمة أشهر حواجز الاحتلال (قرب مستوطنة بيت إيل) ببندقيته، ما أدى بالإسرائيليين إلى فرض حصار على رام الله، جرى التراجع عنه. إذ ذكّر المشهد أنّ أفراد الأجهزة الأمنية بارود قد ينفجر في وجوه الإسرائيليين، كما حدث في انتفاضة الأقصى، ولذلك قام الجيش بتذكير الفلسطينيين، أيضاً، بأيام تلك الانتفاضة ومعاناتها، من خلال حواجز وإغلاقات.
لكن تخبر سرعة وقف الحصار أيضاً بالحذر والارتباك الاسرائيليين اللذين يساعدان بدورهما على حالة صمت وتجاهل فلسطينية رسمية وفصائلية لما يحدث.
يمكن تلخيص الموقف الإسرائيلي من الانتفاضة الفلسطينية الراهنة بالارتباك. أمّا الموقف الفلسطيني، فيمكن وصفه بالجمود ومحاولة التجاهل، وهذا ينطبق بالدرجة الأولى على القيادة الرسمية والفصائل الفلسطينية، وشرائح شعبية.
إسرائيليا، يتضح الإرباك من خلال تقديرات الموقف المتواترة المتسربة من دوائر رسمية وبحثية، تتحدث أحياناً عن تراجع وتوقف الانتفاضة، وأحياناً أخرى عن استمراريتها. بل وحتى على الأرض، لا تبدو الإجراءات الإسرائيلية ذات منهج واضح. وعلى سبيل المثال، بينما أحسّ الفلسطينيون هذا الأسبوع أكثر من غيره، لاسيما في مركز السلطة الفلسطينية، والمدينة الرئيسة رام الله، بالحصار الإسرائيلي، ومثُلت أمام العينين العقوبات الجماعية، فإنّ الإعلانات الإسرائيلية عن إغلاق شوارع كان يتضح في ساعات أنه غير جاد ولا يجري تنفيذه، قبل أن يجري تنفيذه في ساعات أخرى، من دون أسباب واضحة، ومن دون إغلاق كامل لكل المنافذ والشوارع، ما عزز صورة في الشارع الفلسطيني، بأنّ هناك ارتباكا إسرائيليا، ونوعا من الارتجال.
إلى ذلك، فإنّ الخطاب الفلسطيني عاد للتركيز على قضايا ما قبل الهبة (الانتفاضة)، من حيث الحديث عن مفاوضات ومبادرات ومشاريع تنمية وتسهيلات حياتية. وفي أحسن الأحوال، فإنّ الشيء العملي الذي تطلبه المستويات الرسمية الفلسطينية هو أن يعيد الإسرائيليون جثامين الشهداء. ومن الواضح أنّ الخطاب الفلسطيني، الرسمي وحتى الفصائلي، ينحّي جانباً الانتفاضة، في نوع من الهروب من الاستجابة للتحدي الذي يمثله هذا التحرك من شرائح شبابية وشعبية، حسمت أمرها بالتحرك في اتجاه معاكس لكل المنظومة السياسية وروتينها التفاوضي والدبلوماسي العبثي، وبعيداً عن بطء أطر القيادة الفلسطينية، بما في ذلك المجلس المركزي الفلسطيني الذي "يحتفل" الشهر المقبل "بقراره" وقف التنسيق الأمني مع الاسرائيليين، من دون أن يحدث شيء عبر عام كامل، سوى تأكيد الالتزام الفلسطيني، عملياً وعلنياً، بالتنسيق.
يبدو الموقف غريباً إلى حد ما، كأنه من مثلث:
الضلع الأول، هو مجموعات منتفضة، أو ربما بكلمات أدق مجموعات وأفراد منتفضون، لا ينتظرون فصيلا ولا يملكون خطة ولا استراتيجية، ولكنهم يفرضون جزءا من إيقاع الحياة اليومية، ويصبحون جزءا من المشهد. وبالتأكيد هناك من يعوّل على تطور هذه المجموعات وأفعالها لما هو أكثر من هز المشهد، وصولا إلى خلطه. وما تزال محاولات مأسسة الانتفاضة والإسناد الشعبي لها تراوح مكانها، وتراجعت الحملات التي دفعت الشهر الماضي إلى توقع بلورة الشارع لآليات انتفاض وإسناد شعبية، من نوع حملات بناء بيوت الشهداء. وهناك الآن ترقب: هل سيتجدد ويتطور مثل هذا النشاط أم لا؟
الضلع الثاني، هو الرسمي الفلسطيني، الذي يريد تفادي بعض مظاهر الانتفاضة، ومنع انفلاتها، ومنع نشاطها في مناطق تماس معينة (مثل البالوع/ بيت إيل)، ثم تبني موقف الانتظار لرؤية ما سيحدث. والواقع أنّ جزءا كبيرا من القوى الشعبية، بما فيها نقابات واتحادات ومجالس، تواصل عملها كما كانت لسنوات تسبق الهبة الحالية؛ تهتم بقضاياها المطلبية والحياتية، مع القليل جداً من التفاعل مع مشهد "مجموعات المقاومة".
إسرائيلياً، لا شك أن الإهمال العالمي للشأن الفلسطيني يريح الحكومة الإسرائيلية. في الأثناء، هناك نوع من الانتظار المرتبك لما يحدث. فهناك أيضاً في الجانب الإسرائيلي من يراهن على أن تخبو "الموجة" الحالية سريعاً أو ببطء، وحذّر من سياسات تؤدي إلى انتفاض شامل، أو إلى انهيار السلطة الفلسطينية، مع رفض إعادة التفكير بخطط العدوان والتطهير العرقي.
هناك حالة إنكار إسرائيلية "مرتبكة"، وحالة فلسطينية رسمية "هروبية" من مواجهة حقيقة أنّ هناك قوى غاضبة تصر على خلخلة المشهد، حتى وإن ببطء وتدرج.