“الجار قبل الدار”: كوميديا واقعية حقيقية
من خلال عائلة “أبو طراد” المكونة من الأب والأم وابنتين وابن، يطرح مسلسل “الجار قبل الدار” الذي يبث على قناة “رؤيا” الفضائية، العديد من القضايا الاجتماعية، ويناقشها بطابع كوميدي.
ما يجعل المسلسل ناجحا بتميز، هو الواقعية الكبيرة التي ينتهجها في تناوله لكثير من قضايا التي يثيرها.
العائلة والقضايا التي تواجهها، تبدو أردنية بتميز؛ فالأب متقاعد يحاول التصالح مع أبنائه في حياة متقلبة، في حين تظهر علاقته المتوترة والمتذبذبة مع زوجته. أما الابن الذي هو في أول الشباب، فيبحث لنفسه عن حياة خاصة به، بينما يعاني من استلاب ثقافي يتمثل في استغراقه في الحياة الأميركية، ومحاولاته الدائمة للسفر إلى هناك. أما الفتاتان؛ المراهقة والطفلة، فهما تعيشان كما لو أنهما وحيدتان، كما هي الحال في كثير من العائلات الأردنية، وتُقابلان دائما بالصراخ مهما كانت مداخلاتهما أو طلباتهما.
في هذا الجو تسير حياة العائلة التي تنخرط في الهموم اليومية الاعتيادية، وتواجه العديد من القضايا والمشاكل في علاقاتها بجيرانها، خصوصا الجار الأميركي الذي يبدو أن أفراد العائلة غير راضين عن طريقة حياته، ويحاولون تعويده على النمط الأردني في الحياة والتعامل، كما أنهم يلغون أي خصوصية له، باقتحامهم المتكرر لبيته ولحياته.
يبرز في هذه الكوميديا الممثل فارس حدادين الذي يؤدي دور الأب، والذي يعبر عن تناقضات الإنسان الذي يختزن الطيبة واللؤم، والخير والشر، والذكاء والسطحية؛ إضافة إلى الممثل نذير خوالدة، وهو كاتب الحلقات، ويؤدي دور الابن الباحث عن أفق له وسط حياة سريعة، ليبدأ بتجريب مهن عديدة عله يعثر بمهنة تقيه سخرية الأب وتقريعه الدائم له.
من المهم ملاحظة تطور القصة والأداء لدى الممثلين من خلال مشاهدة المواسم الثلاثة؛ ففي حين ركز الموسمان الأول والثاني على الإضحاك من خلال التطرق إلى بعض العادات والسلوكيات المجتمعية، جاء الموسم الثالث أكثر نضوجا بواسطة تركيزه على تلك السلوكيات، والمفارقات المتأتية من التعامل المختلف معها، ونقدها بطريقة كوميدية، من غير أن يسقط في الوعظ والإرشاد والخطاب المسرحي الهزيل.
إن الخطاب المسرحي الهزيل، هو واحد من الآفات التي تأكل الدراما الأردنية اليوم، خصوصا ما يطلق عليها، جزافا، اسم كوميديا، والتي يقوم عليها مؤدون غير محترفين، ولا يستطيعون إقناع المشاهد بجدية أدائهم، خصوصا المواعظ التي يطلقونها بلا رقيب ولا حسيب.
التلقائية في أداء نجوم “الجار قبل الدار”، والبيئة الأردنية التي يخلقونها من خلال ذلك الأداء، والقصص التي يناقشونها، تجعل المشاهد يعيش في تلك القصص، من دون أن يشعر أنه يشاهد تمثيلا أو تصنعا، وتجعل الحديث شديد الصلة بالبيئة المحلية التي نختبرها في الببيت والشارع والحارة ومكان العمل.
في هذه الكوميديا الأردنية الخالصة، لا بدّ أن نلحظ أداء متميزا من ممثلين يؤدون بحرفية عالية، من دون الإفراط في الأداء الحركي غير المبرر أو في رسم التعابير غير المفهومة على الوجوه، كما هو سائد في غيرها من “السكتشات”، بل هو أداء محترف من خلال تلبّس الحالة، وتقديمها للمشاهد بواقعية كبيرة.