مؤتمر لندن والفرصة الأخيرة
وضع جلالة الملك عبدالله الثاني النقاط على الحروف في مقابلته مع محطة "بي. بي. سي" البريطانية فيما يتعلق بأزمة اللجوء السوري، وأثرها على المجتمع الأردني والأمن القومي الوطني.
لقد بات من الواضح أن المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي لا تمثل أكثر من 25 % من التكلفة الفعلية التي يتكبدها الأردن في الإنفاق على اللاجئين، لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم. لا بل، وبشكل متزايد، فإن المساعدات الدولية التي تذهب للمؤسسات الدولية لم تعد تسد الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، من طعام ومشرب، وصحة، وتعليم، علاوة على أن غالبية أنشطة المنظمات الدولية تذهب للاجئين المسجلين رسمياً لدى المفوضية العليا للاجئين. بعبارة أخرى، فإن الحالة الإنسانية للاجئين السوريين في تفاقم مستمر. وإذا ما استمرت الحال كما هو عليه، فإن من المرشح أن نكون مقبلين على كارثة إنسانية لا يمكن أن يتحمل مسؤوليتها الأردن، وستكون عبئاً أخلاقياً على المجتمع الدولي برمته.
إن الحالة التي وصلت إليها أزمة اللاجئين هي مسؤولية جماعية؛ دولية وإقليمية، لأن الأردن ومنذ سنوات يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين؛ ولأن المجتمع الدولي والإقليمي لم يكن على قدر المسؤولية الكافية في التعاطي مع هذا الملف، وتوفير الدعم اللازم للاجئين.
لقد أنفقت الدول المختلفة عشرات مليارات الدولارات في تمويل الأطراف المتنازعة على مدى السنوات الأربع الماضية، لكنها لم تبد الاهتمام الكافي بالإنفاق على سد الحاجات الإنسانية للاجئين السوريين، والتي ساهم تسليح الأطراف المتنازعة في تفاقمها من خلال إطالة أمد الحرب والصراع في سورية.
وإذا ما تركنا أحوال اللاجئين المعيشية التي تتراجع بشكل أكبر كلما طال أمد الصراع وتراجع الدعم الدولي، فإن الآثار المترتبة على وجود اللاجئين في الأردن أصبحت تُشكل ضغطاً على قدرة المواطنين الأردنيين في التمتع بمستوى معيشة وخدمات لائقة. ومع هذا كله، فما يزال الأردنيون يتحملون ذلك لأسباب مختلفة. ولكنّ هناك حدودا لقدرة الناس على التحمل، ولا نعلم متى تصل الأمور مرحلة حرجة تنفد معها القدرة على التحمل.
أما على الصعيد الوطني، فقد باتت الأعداد الكبيرة للاجئين تشكل عبئاً متزايداً ومتنامياً على المصادر والخدمات الحكومية، لا بل إن التحولات الديمغرافية باتت تشكل عبئاً على الأمن الوطني وعلى نسيج المجتمع الأردني.
يشكل مؤتمر لندن فرصة نادرة، وقد تكون أخيرة، لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، والاعتراف بأن مسؤولية رعاية اللاجئين السوريين هي مسؤولية دولية وجماعية، وأن مسؤولية دعم وتمكين الأردن هي مسألة أساسية وليست مسألة تعاطف معه؛ ليس فقط للتخفيف من أعباء هذه الأزمة على الأردن، وإنما أيضاً وبدرجة لا تقل أهمية لتوفير الحد الأدنى من الرعاية للاجئين السوريين، وذلك لتخفيف المعاناة الإنسانية الناتجة عن اللجوء، وإلا فنحن مقبلون على كارثة إنسانية، ومقبلون على تغير في استراتيجية الدولة الأردنية نحو اللاجئين.
لقد كان الملك عبدالله الثاني واضحاً في المقابلة المُشار إليها أعلاه. إن موقف الأردن بعد المؤتمر سيكون مختلفاً عنه قبل المؤتمر، إذا لم تتم تلبية الاحتياجات الأردنية للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين.