الحروب و"النقد الدولي"
من الطبيعي أن تتعطل كل المبادئ والنظريات الاقتصادية في حالة الحروب والكوارث الطبيعية، وأن تبدو الصورة قاتمة، لأن العوامل الخارجة عن السيطرة تكون أقوى من الجميع.
وفي حالة الأردن، حدث ارتفاع في المديونية العامة والضرائب خلال سنوات صعبة، انهارت فيها اقتصادات دول ذات إمكانات أفضل مما لدينا. وربما يكون الأساس هو نهاية العام 2010، عندما بدأ "الربيع العربي" الذي سرعان ما تحول إلى خريف، وحطم آمال الشباب الساعين إلى غد أفضل. لكن الأمور تظل تقاس بخواتيمها.
فلدى مقارنة وضع الأردن واقتصاده وضآلة النمو لديه بالعديد من دول الجوار وما لحق بها من كوارث، يخلص المرء إلى انطباع شبه عام بأننا أفضل حالا، بالنظر إلى الاعتبارات القاهرة التي تستثنى حتى بالاتفاقيات.
في هذا الوقت، وعلى الرغم من تلاطم الأمواج في المنطقة، ما نزال نعيش في الأردن ظروفاً نحسد عليها، وأهمها نعمة الأمن والاستقرار التي لا تقدر بثمن، بفضل السياسة الخارجية التي تقي المملكة من الانجرار إلى متاهات ربما لا ننجو منها.
مع ذلك، ليس الوضع الاقتصادي هيناً. فقد نفذ الأردن برنامج الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي، لكنه لم يحقق حتى هذا الوقت أهدافه بالطريقة المثلى، لأن البرنامج تزامن مع مزيد من التعقيدات في الإقليم. وعلى الرغم من رفع الضرائب، تباطأت صادراتنا مع إغلاق المعابر؛ إذ توقف الغاز المصري في ذلك الحين، وارتفعت المديونية بسببه بشكل رئيس، مضافا إليها مقدار العجز السنوي في الموازنة العامة، إلى جانب تحمل كلف اللاجئين السوريين وقلة دعم المجتمع الدولي.
في مؤتمر لندن الذي سبقته زيارة لنائب مدير الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، دعا المشاركون إلى دعم الأردن بمنح من دون مقابل وبقروض ميسرة. وردد ذلك أصداء ما دعت إليه مديرة عام "الصندوق" كريستين لاغارد، خلال مؤتمر عمان لدى زيارتها لمخيم الزعتري في أيار (مايو) 2015. في المقابل، يفاوض الأردن على برنامج جديد مع "الصندوق"، وتبدو الأمور عالقة.
يفترض الأردن أنه مقبل على برنامج إصلاحي جديد مع صندوق النقد الدولي، والحصول على ضمانات لاقتراض خارجي بشروط ميسرة، بما يحمي المملكة من إجراءات لا يرغب فيها أي منا. وينبغي أن تكون الوصفات في إطار التوجيهات الملكية بالارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، فهي الاستراتيجية التي يفترض أن تكون القاعدة لقبول أي برنامج إصلاحي، في ظل تزاحم الاضطرابات في المنطقة. ويجب أن يكون حفظ الأمن والاستقرار الاقتصادي هما أساس أي توجه. هكذا، فحتى لو أصر "الصندوق" على مطالبه التي تقارب العشرين مطلباً إصلاحياً، والتي تنطوي على خيارات قاسية ولا تأخذ بعين الاعتبار ما نعانيه بسبب اللجوء السوري والظروف الإقليمية، فإنه لا ضير من البقاء في مرحلة التفاوض -ولو طالت- ما دام البرنامج لا يراعي الظروف المحلية.
ينبغي أن يتسم البرنامج بالمرونة الكافية، وأن يأخذ بالاعتبار المعطيات كافة التي تسببت في ارتفاع فاتورة المستوردات رغم هبوط أسعار النفط كأثر خارجي، لاسيما وأن كل 5 مواطنين أردنيين أصبحوا يضمون مواطنا سوريا. وسوف يقود ذلك حتما إلى خلق صعوبات للاقتصاد، وهو ما يجب أن ينظر إليه "الصندوق"، وليس إلى مجرد الأرقام وحدها على الجداول.
في نهاية المطاف، لا يشكل هذا الواقع تحدياً للأردن وحده فحسب. وبما أن "الصندوق" يسعى إلى مواكبة التطورات وابتكار أساليب اقتصادية جديدة لمعالجة الاختلالات، فإنه ينبغي أن يتمتع هو الآخر بالمرونة، بحيث يعرض برامج تتناسب والظروف والمعطيات الإقليمية، وخصوصيات الحالة التي يشهدها الأردن.