تغيير قواعد السلوك
على غير العادة لم يعد الرأي العام مشغولاً بنقاشات قانون الانتخاب الذي ينتظر الإقرار من مجلس النواب، فالقانون جاء من الحكومة ليؤهله مجلس النواب ويمنحه اسماً يليق بالمرحلة السياسية التي من المفترض أننا قد وصلنا لها بعد ردح من سنوات الضياع السياسي الذي تاهت فيه غالبية المؤسسات الحزبية والنقابية والحركات السياسية والحكومات... فالكل يبحث عن خارطة طريق والطرق كلها متشابهة، ونأمل أن يخرج القانون بفهم حقيقي لمواده أو غاياته من قبل غالبية النواب ومن السياسيين.
في المقابل مشكلة أخرى من مشاكل السلوك المجتمعي هي قواعد السير، فمن منا لم يعان من الفوضى العارمة التي تعم كافة شوارع المملكة ومدنها نتيجة سلوكيات السائقين وعدم الإلتزام بقواعد السير ولا حتى بـ ألف باء القيادة الآمنة، فالغالبية العظمى من المواطنين أصبح يمتلك سيارة، ومن لا يمتلكها بلا شك يستخدم وسائط النقل العام كالحافلات، وكلا القطاعين، العام والخاص باتت الفوضى والارتجالية في إتخاذ قرارات التقيد بقواعد السير عنوانا لهم، فالازدحام بات لا يطاق، والأخلاق باتت في الحدود الدنيا والجميع يريد السير على المسرب الأيسر وهو المخصص للقيادة الأسرع، والحوادث في ازدياد مضطرد وعدد الضحايا في ارتفاع، ولا أحد يريد أن يكلف نفسه عناء وضع حد للمشكلة.
إذا ما علاقة قواعد السير بقانون الانتخاب؟: العلاقة هي الإرادة السياسية التي تقرر متى يطبق القانون على الجميع بلا تمييز ولا استثناء، مع الأخذ بعين الإعتبار حق الجميع في السير كيفما يشاء بحدود قواعد السلوك القانوني الأخلاقي والوطني، فالفوضى التي نراها في ميدان شوارعنا نتيجة تحول الجميع الى سائقين مهرة وأبطال حلبات السباقات، هي ذاتها الفوضى التي نراها في ميدان السياسة والحكومات وأهلها ممن يتنطعون للقيادة فورا أو يطرحون أنفسهم أوصياء على غيرهم، ومن هذا الركب نجد مسؤولين و نوابا لا يقيمون أي وزن للأمانة التي حملوها كمشرعين ورقباء على القوانين وقواعد سير الحكومات، حتى أنهم لا يحضرون الجلسات المهمة.
يسأل سائل: هل هناك من يخالف القانون وقواعده دون أن يحاسب، والجواب هو نعم، فحسبما رصدت كثيرا يخالف عدد من «القائمين عليها» القانون ويسيرون عكس اتجاه السير ويقطعون الجزيرة الوسطية الفاصلة بين الشوارع، ويديرون ظهورهم للأزمات الخانقة دون أن يكلفوا أنفسهم القيام بأقل واجب عليهم ، وأولئك هم المعنيون بتنفيذ القانون وإطاعته لا تطويعه لرغباتهم ورغبات من يريد، فإن كان القانون بالنسبة للبعض مجرد مواد مكتوبة في مجلد القوانين والتشريعات، فهو بالنسبة للعالم المتحضر هو قواعد سلوك ظاهرة ومباشرة على الأرض، يلتزم بها الجميع، وإلا فلا حاجة لنا بكل تلك المسرحيات الهزلية.
عندما ينحصر تفكيرنا في صندوق الأسئلة الذي يحوي ثلاث ورقات تحمل أسئلة متشابهة: ما هو المردود؟ كم يكلفنا؟ من المستفيد؟ ، ثم ننسى القاعدة الأساسية وهي مجموعة القيّم التي تستند إليها الدولة، ومنها الإلتزام بقواعد السلوك المحترم، ومحاسبة المقصّرين والأيدي الطويلة والسيقان السريعة المتسلقة على حساب الوطن، و وضع أسس ومعايير حازمة ومتطورة عند إختيار أعضاء السلطات الثلاث والمناصب العامة لئلا يطمع كل حسيب أو حبيب أو ثري لوضع لقب قبل اسمه.
عندما يحدث ذلك فسنقع لا قدر الله في دائرة الأزمات المتوالية، فالدولة ليست شهرا ليشتهر البعض فيه، ولا سنة ليسن فيها ما يحلو للمسؤول، ولا عقدا من السنين ليعقد الوزير أو المدير صفقاته السياسية والمصلحية خلاله، ولا هي قرن لتعقد فئة من الناس قرانها على المناصب والمكاسب والمداخل والمخارج، حتى تصبح إرثا مكتسبا لا يزاحمهم فيه أحد، فيفسدون ويهلك الوطن والدولة.
نحن مقبلون على مرحلة متجددة من عمر دولتنا العزيزة، والأردن يحتاج لرجال على قدر عال من المسؤولية، ومجلس النواب القادم يجب أن يكون درساً لتجاربنا المريرة،ومن المفترض أن تكون الغرابيل قد فرزت القمح عن الزوان، ويجب تغيير قواعد السلوك السياسي لنحظى ببرلمان حقيقي وحكومات وطنية.. حتى لا يقال: إذا أزمة السيّر لا يعرفون حلها فكيف سيحلون أزماتنا الباقية.