أجندة جون كيري في عمّان
تعكس القراءة في زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى عمّان هذا الأسبوع، أمرين أساسيين. الأول، أنّ التعامل مع المسألة السورية قائم على هدفين: الأول، "داعش"؛ والثاني، إدارة الأزمة واحتواؤها، لكن من دون طرح أو تصور للحل الاستراتيجي. أمّا الأمر الثاني، فإنه في الشق الفلسطيني، تستمر حالة التجاهل للفلسطينيين وللقضية.
ما هو واضح ومفصل (نسبيا وليس تماما) في أجندة الوزير كيري في المسألة السورية، يتعلق بتنظيم "داعش" والمساعدات الإنسانية. عدا ذلك، هناك تمييز بين ثلاث قوى في سورية، هي "داعش" و"النظام" و"المعارضة"، والموقف هو القضاء على "داعش" وتسهيل التفاوض بين "النظام" و"المعارضة". وحدد الوزير الأميركي أنّه تم من خلال قوات التحالف، توجيه نحو 10 آلاف ضربة لداعش، بينما التعامل مع النظام هو بالحوار عبر روسيا التي تقوم بضرب "المعارضة".
لم يطرح الوزير تصوره للرد على السيناريو الراهن. فحسابات النظام السوري أن لا أحد سيقبل بوجود "داعش"، وبالتالي لا بأس من التركيز الآن، بفضل الإسناد الروسي والإيراني ومن حزب الله، على ضرب باقي المعارضة، وفرض حقائق على الأرض، قبل التفكير أو الحاجة للتفاوض.
كما يتضح من المؤتمر الصحفي الذي عقده كيري، مع وزير الخارجية ناصر جودة، فإنه عدا "داعش" واللاجئين، لا يوجد شيء عملي في تصوراته، ولا يوجد تعبير عن انزعاج من الضربات الروسية في سورية، أو حتى قلق من الدور الإيراني، بما في ذلك دور حزب الله، بقدر ما هناك أمل بأن تتمكن موسكو من إقناع النظام بوقف الحرب ضد المعارضة. فكيري يقول: "إنّ طريق السلام، طريق عزل "داعش"، وإضعافه، وتدميره، وإعطاء شعب سورية خيارا حقيقيا لمستقبله، وهذه الطريق أمامنا الآن". وهو يعتبر أنّنا في "لحظة فرصة" لتحقيق هذا. وهو يضع مسألة التغيير في سورية في سياق مواجهة "داعش"، فيقول "لجعل القتال ضد داعش فاعلا يجب أن نجد عملية سياسية انتقالية توجد حكومة تستجيب للحاجات الماسة للشعب السوري، وهي حكومة لا يمكن أن يكون الأسد على رأسها، ولذلك قلنا مراراً إنه مع وجود الأسد لا يمكن لهذه الحرب أن تنتهي".
يبدو كيري كمن يقول إنّ وجود روسيا وإيران في سورية فرصة لنبرم معهما هدنة (استخدم كلمة هدنة بالعربية). وقال إنّ "روسيا يجب أن تتحدث مع إيران والنظام السوري"، و"نحن نتحدث مع المعارضة" والدول الأخرى المعنية. وهو يرى ضرورة "موافقة جميع الأطراف"، وبالتالي هو يرى أن "يتفق" الجميع على وقف إطلاق النار (طبعاً باستثناء ذلك ضد داعش)، ثم يبدأ التفاوض، من دون أن يطرح احتمال أن يستمر الهجوم الروسي الإيراني حتى عدم إبقاء أحد في الساحة سوى "النظام" و"داعش"، وهو السيناريو الذي لا يوجد سبب مقنع أنّه ليس الخيار الروسي-الإيراني الآن.
في الشأن الفلسطيني، احتاج وزير الخارجية ناصر جودة للقول إنّ هذه القضية "الأهم، والمستمرة دائماً"، وأن ينوه أن "السيد كيري لم يهمل الوضع (الفلسطيني)". لكن ما قاله كيري وجودة، هو التذكير بجهد الوزير العام 2015، والالتزام بحل الدولتين. وذكر كيري بالتحديد جهده "قبل عام" في موضوع القدس، ولم يكن هناك أي تصريح أو إشارة لأي شيء عملي، حالي، يشبه ما قيل في الحالة السورية على سبيل المثال.
القراءة في التصريحات الفلسطينية والأميركية، تشي بأن كيري كان مستمعاً في زيارته، فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني؛ سمع من الأردنيين عن أهمية دفع عملية السلام، وأهمية ذلك حتى للأردن، وسمع للرئيس الفلسطيني عن رغبته في مؤتمر دولي، وعن العزم لمواصلة التحرك في الأمم المتحدة. في المقابل، لا يبدو أنّ هناك تعليقا أو موقفا أميركيا عمليا، سوى تكرار عبارات الحرص على حل الدولتين والحل السلمي ورفض المستوطنات الإسرائيلية.
في الشأن السوري يعوّل كيري كثيراً على التجاوب الروسي، وقدرة الرئيس الأميركي أن يقنع نظيره الروسي في اتصالات قريبة ممكنة بينهما للتوصل إلى "هدنة" في سورية، تمهيدا للتفاوض، من دون تصور لشيء سوى ذلك، ومن دون أن يصوغ الأميركيون خياراتهم لو فشل هذا السيناريو. وفي الشأن الفلسطيني، فإنّ "الإهمال" العملي هو المعنى الفعلي للمواقف (أو عدم المواقف) الأميركية الراهنة.