خجل وطني
كم هو مخجل لنا جميعا، الدولة بكل مؤسساتها وسلطاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، والمجتمع بكل فئاته وهيئاته المدنية والأهلية ونخبه المتعددة، هذا الصمت الطويل على الجرائم التي يقشعر لها الضمير وترتكب باسم القانون في الأردن والتي تقضي بمكافأة المغتصبين للفتيات القُصر أي الأطفال والنساء سواء بعقوبات مخففة أو تزويج الضحية من الجاني؛ هذه القصة المؤلمة نتعثر فيها كل عام حينما نتذكر ماذا أنجزنا للنساء.
حيث تمرر المادة 308 من قانون العقوبات ممارسات تعد من أبشع صور العبودبة والإذلال تحت عباءة الأعراف الاجتماعية التي تم تصنيعها وتجميدها باسم القانون على مدى عقود، وإلا كيف يشهد المجتمع الأردني كل هذا التغير الاجتماعي والثقافي واستعصى عليه التغيير وتوقف به الزمن عند حماية حفنة من المغتصبين.
مر اليوم العالمي للمرأة الأسبوع الماضي أردنيا بخجل، فلا يوجد ما يسر البال في مؤشرات المرأة لا بالمقارنة مع رواندا والسنغال ولا بالمقارنة مع السويد والنرويج. علينا ان نكون اكثر صدقا مع وطننا ومع مجتمعنا؛ فإذا لم نحقق إنجازات فارقة بل اختراقات في حقلي التعليم وحقوق المرأة فلا مستقبل لهذا المجتمع.
الكثير من المجاملات الرسمية والتزييف الاجتماعي تمسح بها وسائل الإعلام والبيانات الرسمية على وجوه النساء في الثامن من آذار كل عام دون أن تنظر بعمق للوقائع على الأرض، فما تزال نسب اندماج النساء في سوق العمل هي الأضعف ليس فقط في المنطقة العربية، بل في العالم؛ فمؤشر المساهمة في قوة العمل هو الأهم إلى جانب التمكين القانوني. لقد بقي هذا المؤشر طوال السنوات الماضية في حدود 16 % وخلال آخرعامين تشير الأرقام الجديدة أنه تراجع بحدة وربما وصل إلى 12 % حيث تدفع النساء الأردنيات ثمن الفشل الاقتصادي والبطالة وتشوهات سوق العمل وجور الأجور وحتى ثمن الفوضى الاقليمية. فقد أشار العديد من التقارير إلى أن مؤشرات تمكين المرأة اقتصاديا في تراجع مستمر خلال آخر خمس سنوات؛ فنسبة النساء المشمولات بالضمان الاجتماعي لا تتجاوز 25 %، فيما المسكوت عنه أن معظم قوة عمل المرأة تتركز في القطاع العام وفي ثلاثة قطاعات فرعية أساسية هي التعليم والصحة والادارة الحكومية وذلك من بين 13 قطاعا أساسيا في الاقتصاد الأردني حيث تشكل النساء العاملات في القطاعات الثلاثة السابقة نحو 95 % ما يستدعي السؤال عن دور القطاع الخاص وما إذا شغل النساء، وهذا يستدعي سؤالا آخر عن ظلم الأجور الذي يرتكب بحق النساء العاملات في هذا القطاع.
وعلى الرغم من أن ضعف التمكين الاقتصادي بلاء يعم، وقاعدة النساء المتضررات هي الأوسع، لكن واقع التمكين القانوني وتحديدا المادة 308 من قانون العقوبات تبقى هي الأكثر إثارة للخجل ولا تتفق لا مع مبادئ الأخلاق ولا الفطرة الإنسانية ولا الدين ولا حقوق الإنسان ولا قيم وشيم الأردنيين حينما تبيح للجاني المغتصب أن يتزوج الضحية ويفلت من العقاب وأن تنجب له اطفالا. وتبيح له بعد سنوات أن يطلقها وأن يرتكب جريمته مع ضحية أخرى، والأمر الأكثر بشاعة أن تكون الضحية طفلة وتدخل بشكل أو اخر في بيت زوجية مزيف.
كل ما يقال عن أن التقاليد الاجتماعية الأردنية هي التي جاءت بهذه المادة في قانون العقوبات تضليل حقيقي وفزاعة سياسية لا أكثر، فالمجتمع على مدى العقود الماضية تغيّر وشهد تحولات واسعة، الأمر لا يحتاج أكثر من إرادة سياسية ويقظة ضمير وقليلا من الجرأة، وقبل ذلك أن ننظر في عيون الأطفال وأن نخجل من أنفسنا قليلا.