"زمزم" المباركة
الدكتور رحيل غرايبة، رجلٌ معتزٌ بتدينه، من دون شططٍ أو تعصب. والدكتور صاحب "الأوله" في مناسبتين. الأولى، عندما تحدّث في وقتٍ مبكر عن موضوع الملكية الدستورية، وقد قامت في وقتها عليه الدنيا ولم تقعد! إذ كان هذا الموضوع "تابو" سياسيا أردنيا، إلى حين طرحه جلالة الملك مؤخراً في أوراقه الملكية المنشورة. والثانية، حين اختلف مع جماعته؛ جماعة الإخوان المسلمين، حول علاقتها مع "حماس" من زاوية أولوية المصالح الوطنية الأردنية، باعتبار أن الاهتمام بالمحلي هو أساس الالتزام الحقيقي والوطني والأممي، وعندها اعتزل ولا أقول انشق؛ مؤسّساً مبادرة "زمزم".
وكانت "زمزم" بالنسبة لي كمواطن أردني، حالةً مختلطة بين السياسي والدّعَوي، وحصل أنني اجتمعت بـ"زمزم وربعها" أكثر من مرة، ووجدت أن الدَّعوي ما يزال مسيطراً على ذهن المبادرة، كما لاحظت نزوعاً خجولاً نحو الخروج من عباءة الإخوان. ولكن في الوقت نفسه وجدتُ توجهاً يقوده د. رحيل نحو طرح مفهوم تجديدي لدور الإسلام في عالم السياسة، وأعتقد أن هذا نهج الرجل قبل الإخوان وبعدها.
اليوم، تخرج علينا "زمزم" بقيادة د. رحيل بطرح مشروع حزب سياسي مدني. وبعد مراجعة مبادئ وقواعد مشروع هذا الحزب أقول:
يجب أن نسجل لـ"زمزم" أسلوبها في الدعوة إلى هذا الحزب، واستقطاب قواعد شعبية وليس أسماء براقة. كما نسجل هذا التجاوب في حضور الدعوة، والتي تمت في مكان شبه حكومي "قصر الثقافة". وهذا ليس غمزاً، بل نقلاً عن بعض المراقبين الذين توقفوا عند مكان الدعوة وحجمها، باعتبار ذلك إشارة إلى أن هذه "الزمزم" مباركة ومقبولة من الحكومة، وقد يكون هذا -كما يشيرون- كرهاً في "الإخوان" وليس حباً في د. رحيل. هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، فإن ما طرح للآن عن هذا الحزب، هو إطار عمل عام. والصراحة أنه مشابه في أغلبه للأطر العامة التي تُقَدم في أغلب الدعوات الحزبية في الأردن أو تتصدر أنظمتها الداخلية. فالإسلام، إطاره الحضاري والمواطنة، أساس التعامل، والبرامجية وسيلة العمل. ولهذا أقول إنني لم أجد فيما طرح للآن جديداً. ولكن أتوقف عند قضيتين. الأولى، أن الإطار العام يعلن أنه ليس حزباً دينياً، وأنه ليس مرتبطاً بالإخوان المسلمين أو أي حركة دينية أخرى. والواقع أن هذا التزام قانوني حسب قانون الأحزاب وليس فضلاً جديداً لهذا الحزب. أما القضية الثانية، فهي توجه الحزب أن يكون برامجياً، معنياً بالقضايا المحلية المباشرة للمواطن. وهذا فضل ونهج يجب أن تتبعه كل الأحزاب الأردنية، لا بل إنني أعتقد أن ابتعاد الأحزاب عن التصدي لقضايا المواطنين اليومية هو سبب لعدم فعالية تجربة الأحزاب الأردنية على الساحة السياسية.
خلاصة القول؛ إن هذه التجربة الحزبية يُحكم عليها ببرنامجها النهائي. ونحن ننتظر هذا البرنامج في بعده ورؤيته الاقتصادية؛ وفي تناوله لعلاقة هذا الحزب بالدين من ناحية تعامله مع الحريات العامة للمواطن وحماية حق المواطن في الاختيار وممارسة معتقداته الشخصية؛ وأيضا تصوره لعلاقة الدين بالدولة. إذ إن هذه قضايا لا يكفي فيها القول إن الحزب سيكون مدنياً، فتفاصيل هذا البرنامج ورؤيته الفلسفية ستكون معياراً في تقييم كم من المدنية سيكون في هذا الحزب. ومن الواضح أن هناك نفساً "تونسياً" في مجموعة الرؤى والقواعد المنشورة. وإن صح ذلك، فليس في هذا مثلبة. ولكن الأمور بخواتيمها والحكم النهائي على هذه التجربة الأردنية، التي تنزع للمدنية والدستورية رغم نكهتها وعباءتها الدينية، سيكون سندا إلى البرنامج التفصيلي للحزب وتطبيقه الفعلي على أرض الواقع. وإن غداً لناظره قريب.