انطباعات من واشنطن حول سورية وفلسطين
تواجدتُ في واشنطن الأسبوع الماضي، لحضور بعض الاجتماعات المتعلقة بتونس. لكنها كانت مناسبة للوقوف على آخر المستجدات المتعلقة بالأزمة السورية.
من الواضح تماما أن الجانب الأميركي لن يغير سياسته الحالية المتعلقة بسورية، وهي سياسة إدارة الأزمة على أحسن تقدير، وترك الساحة تقريبا لروسيا في محاولتها إيجاد حل سياسي، مع عدم الاقتناع بأن الروس قادرون على ذلك.
أغلب المحللين هنا يعتقدون أن روسيا تعرف أنها لا تستطيع حتى الآن إيجاد مثل هذا الحل، ولو أنها حاولت إضعاف الرئيس السوري عن طريق عدة وسائل، لحمله على قبول الدخول في مفاوضات سلمية. من هذه الوسائل الانسحاب "التكتيكي" للطائرات الروسية، وتحييد ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري عن طريق نقله من منصبه الاستراتيجي الحالي، إضافة إلى الرسالة التي كتبتها خمسون شخصية علوية سورية تتبرأ فيها من جرائم النظام، وتعلن الوقوف ضد الطائفية. كما أن معظم الغارات الروسية كانت ضد المعارضة المعتدلة وليست ضد تنظيم "داعش"، وذلك لإضعاف فرص هذه المعارضة في تقديم نفسها بديلا للأسد.
روسيا لا تستطيع ولا ترغب في إبعاد الرئيس السوري عن الحكم بالقوة. لا تستطيع ذلك لأن إيران، وليست هي، من تتحكم فعليا بمجريات الأمور على الأرض، وإيران لا ترغب حتى الآن في استبدال الرئيس السوري بأي شخص آخر. كما أن روسيا لا ترغب في أن تسجل سابقة عليها باستبدال رئيس دولة بالقوة، حتى وإن تسبب هذا الرئيس بمقتل مئات الآلاف من أبناء وبنات شعبه.
يعتقد محللون هنا أيضا أن الهدف الأساس لروسيا في سورية هو استعادة مركزها الند للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والذي خسرته منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد تحقق لها ذلك، ولذا فإن الروس يعتقدون أنهم حققوا ما يمكن مع هذه الإدارة الأميركية، وهم بصدد انتظار الإدارة المقبلة واستبيان موقفها من الأزمة السورية.
ليس من تفاؤل هنا بالجهود التي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا؛ لحمل الأطراف المتنازعة على التفاوض الجدي لإنهاء الأزمة، عدا أن اتفاق وقف النار نجح في الحد من العمليات العسكرية وقتل المدنيين. كما أن أي جهد يبقي الرئيس السوري في الحكم أو يؤدي إلى مشاركته السلطة مع المعارضة من دون أفق واضح لمغادرته، لن يحظى على الأغلب بالقبول من المعارضة التي لا تستطيع أن تقبل مقتل مئات الآلاف مقابل بقاء الأسد.
كل ذلك يشير إلى أمر واحد، هو أن الأزمة السورية في حالة جمود نسبي في هذه المرحلة، وليس هناك أي بوادر لحل سياسي، خاصة في ضوء التعنت الإيراني والروسي، وتراجع الموقف السعودي والتركي، وعدم اكتراث الجانب الأميركي.
من ناحية أخرى، وصدّق أو لا تصدق، ما يزال وزير الخارجية الأميركي جون كيري يستكشف إمكانية استئناف الجهد الأميركي في العملية السلمية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. وهذا أمر يبعث على الحيرة، لأنه أصبح واضحا للقاصي والداني أن إسرائيل ليست معنية بحل مقبول للجانب الفلسطيني، يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على أساس حدود العام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية. كما واضح أن الرئيس الأميركي لا يقف بكل ثقله وراء هذه الجهود.
في الحالة هذه، لن يؤدي مثل هذا الجهد إلا إلى مزيد من الإحباط لدى الفلسطينيين، إن لم يحقق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بطرق تقفز فوق مجرد وضع المفاوضين في غرفة، وتوقع أن يتمكنوا من الوصول إلى اتفاق في ظل غياب ضغط أميركي حقيقي، وهو ما لن يتم.