الصمودان السلبي والمقاوم
برز في الندوة السنوية لمؤسسة خليل الوزير، في رام الله يوم السبت الماضي، مصطلح قدمه د. مهدي عبدالهادي، مدير الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (PASSIA)، هو "الصمود المقاوم". وردده بعض الحضور في مداخلاتهم. ورغم أنّ تناول المصطلح جاء من دون تفصيل، إلا أنّه يمكن أن يقدم مدخلا لمناقشة قضية مهمة، وتحديداً فكرة يقدمها البعض بأنّ الصمود هو الوظيفة الأساسية في المرحلة الحالية.
كعادتها في ندواتها السنوية، تمزج ندوات مؤسسة خليل الوزير بين شقين؛ الأول، هو الحديث عن القائد الراحل، وماذا كانت سياساته وخططه لملفات معينة؛ ثم واقع هذه الملفات الراهن. وقد اختار القائمون على المؤسسة هذا العام موضوع القدس، إذ استُضيفت ثلاث شخصيات مقدسية، هي حاتم عبدالقادر، مسؤول ملف القدس في حركة "فتح"، وخليل تفكجي، مسؤول الخرائط في مركز الدراسات العربية (بيت الشرق)، ود. عبدالهادي. وإذا كان حديث عبدالقادر اشتمل على دور الراحلين الكبيرين، خليل الوزير وفيصل الحسيني، فإنّ أكثر ما يثيره حديثه هو المؤسسات المقدسية التي عكف الراحلان على بنائها، والتي تدمرت الآن؛ سواء بسبب إقفالها وملاحقتها على يد الاحتلال، أو لأنّ الاهتمام انتقل إلى مؤسسات جديدة، وُجدت بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، ومركزها بالدرجة الأولى رام الله. وجاء جدار الفصل العنصري، وعزل القدس ليقضي على البقية الباقية.
يحاجج كثيرون أن حفظ وجود الفلسطينيين على أرضهم، ودعم صمودهم، هما مهمة كافية بحد ذاتها لتكون أجندة وطنية واستراتيجية عمل، على أساس أنّ موازين القوى لا تسمح بأكثر من ذلك. وهذا شيء يمكن تسميته بالصمود السلبي؛ القائم على الاهتمام بالبقاء من دون مواجهة مع الاحتلال، إلا في سياق الدفاع. وهذه الفكرة تتجاهل حقيقة أنّ الطرف الآخر (العدو) في حالة هجوم مستمر، ومهما نجح الدفاع إلا أنّ الجزء الذي ينجح العدو في تمريره وفرضه يعد كسباً له وخسارة للجانب الفلسطيني. وهذا الصمود السلبي لا يحقق سوى تقليص الخسائر في أحسن الأحوال.
تعني فكرة بلورة "صمود مقاوم"، أول ما تعني، استراتيجية عمل متكاملة، داعمة لمؤسسات النضال والمواجهة، وإعادة استيعاب الشبان في إطار المواجهة. والواقع أنّ د. عبدالهادي نسب المصطلح لقطاع شبابي في القدس، ناقشوه في متطلبات المرحلة.
أوضح قياديون فلسطينيون في موقع المسؤولية الرسمية، كانوا متواجدين في الندوة، مدى شح الإمكانات، ومن ذلك، مثلا، أن مليارات الدولارات التي وعدت بها القدس، لم يصل منها شيء تقريبا، رغم الخطط التي قدمها الجانب الفلسطيني.
وهذا لا يلغي حالة الترهل والعجز في أطر العمل الفلسطيني، وعدم قيام المهيمنين على مؤسسات العمل الفلسطيني بتجديدها وتفعيلها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا توجد لجنة قيادية أو هيئة ذات مرجعية واضحة تمثل القدس وأهاليها، أو تقوم على أمرهم.
قبل أسابيع، كانت إضرابات المعلمين الفلسطينيين هي الحدث الأبرز فلسطينياً. ووعد مسؤولون فلسطينيون بالشروع في انتخابات جديدة لاتحاد المعلمين وفروعه داخل وخارج فلسطين. وقدروا أنّ الانتخابات لفرز اتحاد جديد تحتاج نحو عام كامل، لكن لا توجد مؤشرات أن العجلة تحركت، أو أنّ هناك نية لفعل شيء.
فكرة أن يكون هناك صمود مقاوم، تعني وجود أطر شعبية لا تكتفي بالتصدي للمخططات الإسرائيلية، بل أيضا طرح مخططات مضادة. وليحدث هذا، فإنّه عدا الدعم العربي والمادي، لا بد من أطر عمل جديدة؛ أي ضم الشبان لأطر العمل الوطني، بما يتجاوز العمل الفصائلي الذي دخل حالة يائسة من الانقسام والاختلافات، حتى داخل التنظيم الواحد.
الوجوه الثلاثة التي كانت في ندوة مؤسسة خليل الوزير، هي من نتاج مرحلة الثمانينيات. ومن تحفظ وناقش نقدهم الحاد للوضع الراهن، من الحاضرين، هم أيضاً من نتاج تلك المرحلة. ومسؤولية بروز وجوه جديدة، وقيادات جديدة، بأفكار جديدة، وطاقات عمل جديدة، هي مسؤولية القيادة.
كان إيجابيا جداً لو رأينا، مثلا، في المشهد شخصا مثل الشهيد بهاء عليان، صاحب فكرة أكبر سلسلة قراءة بشرية في القدس، وصاحب مبادرة المكتبات العامة والمشاريع الثقافية، الذي كان يمكن أن يكون ضمن مخطط وطني شامل في القدس، قبل استشهاده في هجوم بالسكاكين نفذه في إحدى الحافلات.