مزدوجو الجنسية
قبل أن نخوض في النقاش، أود التوضيح بأنني لا أحمل جنسية دولة أجنبية، ولا أنوي فعل ذلك في المستقبل، وأعتز بكوني مواطنا أردنيا مثل سائر الأردنيين.
غير أن السجال الساخن الذي يدور حاليا حول مزدوجي الجنسية والتعديل الدستوري المقترح بهذا الخصوص، يحفّز على مقاربة المسألة من كل زواياها، والنظر فيما يمكن أن نسميه ازدواجية المعايير في التعامل مع مزدوجي الجنسية.
رغم عمر الدولة الأردنية الذي قارب المائة عام، لم نستطع حتى يومنا هذا الوقوف على أرضية واحدة في تعريف الولاء والانتماء. وها نحن نغرق أكثر في إشكاليات الهوية والمواطنة والجنسية. وبسبب غياب الإجماع الوطني على تعريف الهوية الأردنية، نخلط بشكل كبير بين جواز السفر والولاء، وبين الجنسية وحقوق المواطنة. في المقابل نجح كيان قام على أرض ليست أرضه في بناء تصور متقدم لمسألة الهوية. نسبة كبيرة من الإسرائيليين وكما هو معروف يحملون جنسيات أجنبية، ومع ذلك لا نجد من يشكك بولائهم عندما يتقلدون مناصب رسمية.
بتجربتنا المريرة مع الحكومات المتعاقبة والمجالس النيابية، وطبقة المسؤولين في مختلف مناطب الدولة؛ العليا والمتوسطة، استطيع القول إن الولاء المناطقي والجهوي والعائلي كان أكثر ضررا بمصالح الناس من مزدوجي الجنسية.
أيهما أخطر وأكثر ضررا؛ رئيس وزراء يحابي الأقارب والأصدقاء على حساب المصالح الوطنية، ووزير يعين المحاسيب وأبناء العمومة، ويستثمر الوظيفة العامة لمصالح شخصية، ونائب يراكض لتعيين أقاربه ويتجاهل حقوق أبناء دائرته الانتخابية، أم مسؤول يحمل جواز سفر أجنبيا، يلتزم بتطبيق القانون وبالفرص المتساوية بين المواطنين على قاعدة الكفاءة والاقتدار؟
في اعتقادي ان طبقة المسؤولين من أصحاب الهويات والولاءات المناطقية والعشائرية والمصالح الشخصية والمحسوبية أخطر على الناس من أولئك الذين يحملون جنسية ثانية.
لنعدْ بالذاكرة إلى الوراء ونستعرض بالأسماء مسؤولين سابقين كان الناس جميعا يكنون لهم الاحترام، ولم نكن نعلم إن كانوا يحملون جنسية ثانية أم لا. والحقيقة ان بعضهم كان بالفعل يحمل جواز سفر أجنبيا.
المعيار الحاسم هو الولاء. والولاء ليس شعرا وخطابا؛ ففي الدول الديمقراطية يعني شيئا واحدا الالتزام بتطبيق القانون على المواطنين بعدالة، وعدم استغلال المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية.
أفهم دوافع الضجة المثارة حول تعديل المادة الدستورية المتعلقة بمزدوجي الجنسية، فمحركها قلق اتجاه عريض في الشارع الأردني من عودة بعض الشخصيات السياسية المثيرة للجدل إلى مواقع المسؤولية، وليس موقفا عدائيا من حملة الجنسية الأجنبية بشكل عام.
بمعنى آخر، لو تأكد أن المجموعة المحدودة تلك من الأشخاص لن يعودوا من جديد إلى الأضواء، فأغلب الظن أن المعارضة للتعديل ستخف حدتها.
لكن ذلك لو صح فعلا، فإنه لا يلغي السؤال الجوهري: من أضرّ بمصالح الناس وتطاول على حقوقهم، أصحاب الجنسية الثانية، أم فريق طويل عريض من حملة الهويات الفرعية والولاءات الجهوية والمناطقية؟
لا تستعجلوا الإجابة قبل معاينة الوقائع.