هل تراجع الطلب على الديمقراطية؟
أظهرت نسبة المشاركة في انتخابات نقابة المعلمين الأخيرة، أن الطلب على الديمقراطية يسجل معدلات جيدة جدا؛ فقد فاقت نسبة المشاركة السبعين بالمائة.
"المعلمين" تعد نقابة فتية مقارنة مع النقابات المهنية في الأردن، وما يزال جمهور عريض من منتسبيها يأمل بدورها في مساعدة المعلمين على تحسين ظروفهم المعيشية، والدفاع عن حقوقهم.
الصورة تبدو مغايرة في نقابات أخرى. في نقابة الأطباء على سبيل المثال، التي شهدت قبل أيام جولة انتخابية، كان عدد من يحق لهم الانتخاب أزيد من 11 ألف طبيب، من أصل 28 ألف طبيب مسجل رسميا في سجلات النقابة. وبلغت نسبة المشاركة 41 % ممن يحق لهم الانتخاب؛ أي نحو 4500 طبيب من أصل 11 ألفا.
نسبة متواضعة جدا، خاصة أننا بصدد منظمة تمثل أكثر شرائح الطبقة الوسطى وعيا بقيم الديمقراطية والمشاركة، وتضم في صفوفها الآلاف من أصحاب الخبرة في العمل السياسي والحزبي.
وفي معظم النقابات المهنية، تراوح نسب المشاركة عند حد يقل عن الخمسين بالمائة، وسط تنامي ظاهرة العزوف عن المشاركة، لأسباب يطول شرحها.
لكن بعيدا عن تلك الأسباب، ثمة ظاهرة في أوساط جيل الشباب تتنافى تماما مع الدور الحاسم الذي لعبته هذه الشريحة في ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت العالم العربي قبل خمس سنوات، يمكن أن نطلق عليها ظاهرة "التعفف عن الممارسة الديمقراطية"، والانكفاء التام عن المشاركة في الحياة العامة، بعد خيبة أمل عميقة بالثورات وما آلت إليه الأوضاع في أكثر من قطر عربي.
ويشهد مسار التحول الديمقراطي في الأردن على التذبذب الشديد في الخط البياني للمشاركة الشعبية في الانتخابات. في أول انتخابات بعد عودة الحياة النيابية العام 1989، كان الطلب على الديمقراطية في ازدياد مطرد. وأقبل الجمهور على المشاركة في العمليات الانتخابية على نحو كبير.
لكن مع تنامي الشعور بعدم تأثير المجالس النيابية في حياة الناس، ومراوحة التجربة الديمقراطية في منتصف الطريق، لا بل تراجعها، انخفض الطلب على الديمقراطية، وتجلى ذلك في تدني نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية لدرجة دفعت بالسلطات أحيانا إلى التلاعب بالأرقام، عوضا عن التلاعب بالنتائج، لرفع نسبة المشاركة.
أما فيما يخص النقابات المهنية، فإن الإمعان في تسييس نشاطاتها من طرف القوى الحزبية المهيمنة على مجالسها، دفع بالكتلة العريضة من منتسبيها المستقلين إلى الإحجام عن المشاركة في الانتخابات، والاكتفاء بمراقبة المشهد عن بعد.
لكن تراجع الطلب على الديمقراطية ليس ظاهرة أردنية بالتأكيد، إنما عربية، وأكثر ما تتبدى اليوم في الدول التي شهدت ثورات شعبية. ويمكن اعتبار مصر نموذجا فريدا على كساد الديمقراطية، رغم كل المحفزات من جانب السلطات هناك.
الانتخابات النيابية المقبلة في الأردن ستمثل اختبارا مهما لوزن الديمقراطية عند المواطنين، وما إذا كانت سلعة مطلوبة أم أن الطلب تراجع عليها بشكل كبير.