لا أمن ولا هيبة مع انتشار السلاح
من دون أي تردد، يجب تأييد التوجه الرسمي للتشدد في حمل واقتناء السلاح، بكل أنواعه، حماية للمجتمع وتعزيزا لسيادة القانون، وحفاظا على ارواح عشرات الأبرياء ممن يسقطون سنويا ضحية للرصاص الطائش والمستهتر، الذي عجزت حتى اليوم كل حملات التوعية والتثقيف عن ردعه ووقفه.
قبل أيام احتدم النقاش والجدل تحت قبة البرلمان، عند بحث مشروع قانون الأسلحة النارية والذخائر المعدل، الذي أحالته الحكومة لمجلس الأمة، حيث اعترض عدد من النواب على التشدد الذي حمله مشروع القانون ضد اقتناء وحمل السلاح، بما فيه الأوتوماتيكي، على قاعدة أن الأردن يقع اليوم في محيط ملتهب، تحيط به الأخطار الأمنية والإرهابية من كل جانب، ما يستدعي، حسب وجهة النظر هذه، بقاء الشعب والناس مسلحين! فيما لم يتردد البعض في الحديث عن وجود ثقافة مجتمعية تؤيد حمل واقتناء السلاح من قبل الأردنيين، لتبرير معارضة القانون المعدل!
نعتقد أن صوت المؤيدين للتشدد مع ظاهرة انتشار السلاح وما خلقه من مشاكل أمنية وانسانية واجتماعية كبيرة، أعلى بكثير من صوت المعارضين للقانون الجديد، وهذا يبعث على التفاؤل بتمرير القانون وتوفير أرضية تشريعية قانونية مناسبة لمكافحة الظاهرة، وتمكين أدوات تنفيذ القانون من العمل وأداء واجباتهم بضبط هذه الظاهرة.
وليس صحيحا أن اشتعال المنطقة من حول الأردن، ووجود تهديدات إرهابية وأمنية للمملكة، أمر يبرر السماح للمواطنين بحمل السلاح، بل إن السماح بمثل ذلك أدعى لزيادة الأخطار الأمنية، والتهديد بانتشار الفوضى وتراجع سيادة القانون وهيبته. حمل السلاح واستخدامه منوط قانونيا بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وهذا ما يعزز سيادة القانون وهيبة الدولة، ويضمن الحقوق ويحمي الأرواح والممتلكات.
سحب الأسلحة غير المرخصة، والتي تشير تقديرات غير رسمية، إلى اتساع انتشارها بصورة كبيرة، لا يكشف ظهر الوطن أمام الأعداء والإرهاب، في حال تعرض المملكة لأخطار خارجية لا سمح الله، فالقوات المسلحة، التي نثق بقدراتها ومهنيتها، يمكن لها وفق القوانين والأنظمة تنظيم آليات شعبية معينة لإسناد المجهود الوطني بالدفاع، بما يتضمن توزيع السلاح وغيرها من آليات وإجراءات.
أما قصة ثقافة حمل السلاح وقبولها مجتمعيا، فأعتقد أن غالبية المواطنين اليوم يضجون من انتشار السلاح بين أيدي الكثيرين، وبعضه سلاح أوتوماتيكي، حيث سهل ويسهل ذلك انتشار الجريمة، والمشاجرات العشائرية والجماعية، وتعميق ظاهرة الجلوات العشائرية، التي تشرد مئات الأسر من مناطقها وبيوتها وأعمالها. ناهيك طبعا، عن مسلسل الضحايا الأبرياء، الذين يسقطون مرارا ودائما في الأفراح والمناسبات، برصاص طائشين ومستهترين بأرواح البشر.
مشروع القانون الجديد يغلظ العقوبات على الامتلاك غير المشروع للأسلحة؛ وهو ينص على ضرورة تسليم مالكي الأسلحة الأتوماتيكية أسلحتهم إلى أقرب مركز أمني بعد إقرار القانون، حتى لو كانت مرخصة، على أن يتم تعويضهم تعويضا عادلا.
ويمنع مشروع القانون، حمل الأسلحة في مراكز المحافظات والألوية والأقضية ومراكز الأمن والبلديات، إلا للأشخاص المسموح لهم بحملها قانوناً، وتحديدا أثناء الاحتفالات الرسمية والحفلات العامة والمؤتمرات والاجتماعات والتجمعات والمسيرات ومواكب الأعراس والجنازات، أو أي اجتماع آخر يزيد عدد المجتمعين فيه على عشرة أشخاص، وكذلك في المباني والمنشآت الحكومية والاقتصادية والمالية والأسواق التجارية.
مثل هذه التعديلات والنصوص القانونية الجديدة تعد إيجابية بكل المقاييس، بل ويمكن القول إن إقرارها تأخر سنوات طويلة، وهي تعديلات كفيلة بالحد من خطر دائم يخلف ضحايا وأضرارا كبيرة في المجتمع الأردني، ويمس بسيادة القانون وهيبة الدولة وحق المجتمع والمواطن.