لتجنب خيبات جديدة
ثمة أسئلة كثيرة في أذهان الناس حول مجلس التنسيق الأردني السعودي، تتعلق بمدى إمكانية النجاح في إدارة هذا الملف، وانعكاسه بالتالي إيجابياً على البيئة الاستثمارية في المملكة.
المكالمة الهاتفية بين الملك عبدالله الثاني وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أول من أمس؛ لبحث العلاقات بين البلدين وسبل تعميقها، ومتابعة إنشاء "مجلس التنسيق"، وكذلك تأكيدات خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في اجتماع مجلس الوزراء السعودي الأخير، على عمق العلاقة بين البلدين، ليست إلا رسائل من أصحاب القرار، في المملكتين، بشأن مدى جدية النوايا للعمل على إنجاز المطلوب. ويأتي ذلك بعد التوقيع رسميا على مذكرة التفاهم، وتعيين رئيس الوزراء د. عبدالله النسور ممثلا للأردن في "مجلس التنسيق"، كون الملف بجله قد انتقل إلى عهدة الحكومة، المطلوب منها الاشتغال بدأب عليه، بشكل يفيد الطرفين.
أولى الخطوات المهمة محلياً، تلك المرتبطة بمشروع "قانون الصناديق السيادية الاستثمارية"، والذي عكفت الحكومة على إعداده منذ سبعة أشهر تقريبا، وأقرته قبل أيام، تمهيدا لتحويله إلى مجلس النواب؛ في خطوة تحيي من جديد فرصة عقد دورة استثنائية لمجلس الأمة، أو تمديد الدورة الحالية للمجلس، بهدف إقرار هذا التشريع خصوصاً.
مشروع القانون، بتفاصيله، لم يعلن بعد للرأي العام، بحيث يمكن الحكم عليه، لاسيما بشأن مدى تحقيقه العدالة للطرفين؛ أي لناحية إفادة الأردن من الاستثمارات القادمة، كما حماية المستثمر وتمكينه من تحقيق الربحية المطلوبة.
لكن بحسب ما يُذاع، فإنه سيُسمح لرأس المال الأردني، وتحديداً البنوك والشركات الاستثمارية، بالمشاركة في استثمارات الصندوق الاستثماري الذي ينص مشروع القانون على إنشائه، بحيث ترتفع نسبة رأس المال الوطني في هذه المشاريع. هذا بالإضافة إلى ما قيل سابقا بأن القانون المرتقب يضمن حق الأردنيين في التشغيل.
واحدة من الملاحظات التي تستحق التوقف عندها، مرتبطة بإنشاء استثمارات بامتيازات جديدة، ما يخلق تفاوتا مع ما تحظى به استثمارات قائمة. لكن هذه التجربة ليست جديدة على الأردن؛ إذ كانت هناك مناطق صناعية مؤهلة ذات امتيازات لا تتوفر لاستثمارات أخرى. ثم أصبح لدينا أيضا مناطق تنموية لها خصوصيتها. ولا ضير من تصنيف جديد، طالما أنه يأتي في إطار خلق فرص عمل للأردنيين.
أيضاً، صحيح أن العلاقة السياسية بين الأردن والسعودية، حكمت إنشاء الصندوق الاستثماري المشترك بينهما، لكن المضي به وإنجاحه، يحتاجان عملا تنفيذيا كبيرا، لأن رأس المال السعودي القادم لإنشاء استثمارات، يبحث بدوره عن فوائد وأرباح.
هكذا، فحتى نتقن دورنا، على الحكومة أن تحضّر درسها جيدا؛ أولا بإقرار قانون يضمن حقوق الطرفين، يكون -ثانياً- مفيدا لفكرة التنمية الحقيقية، والتي تستدعي -ثالثاً- تحضير المشاريع التي تحقق القيمة المضافة للمستثمر ولمسيرة التنمية الأردنية.
القطاعات الحيوية المستهدفة، والتي تتجه إليها الأنظار، متعددة؛ بحيث يكون على كل وزير معني تحضير المشاريع المجدية لتنمية قطاعه وتطويره، بغية عرضها على السعوديين، وصولاً إلى إقناعهم بالمساهمة فيها.
طبعاً، يبدو في المقدمة قطاع الطاقة. ووزارة المياه أيضا يمكن أن تستفيد من تمويل بعض المشاريع، مثل "قناة البحرين" وغيرها. وثمة فرصة كبيرة لوزارة النقل، وكذلك للسياحة بهدف توسيع قاعدة الاستثمار بما يخدم السياحة العائلية، لاسيما أن الأنباء الأولية تتحدث عن استثمار سياحي ضخم في العقبة.
العلاقة مع السعودية بشكلها الجديد تحتاج عقلية جديدة لإدارتها، كون استقطاب الاستثمار الأجنبي بات أمراً صعبا في ظل ظروف الإقليم القاسية. فجلب رأسمال عربي أسهل بكثير من استقطاب رأس المال الأوروبي الذي لا يستطيع صاحبه حتى اللحظة التفريق بين سورية والأردن، فيعتبرهما جزءا واحدا من شرق أوسط يموج بالحروب!
لكن ذلك لا ينفي مصاعب كثيرة تعترض جذب الاستثمارات العربية، والتي تقع على الحكومة أساساً مسؤولية تذليلها. ومن مصلحتها، ووفاء بقسمها، إدارة هذا الملف بحذر شديد، وحصافة شديدة أيضا، حتى لا نجلس بعد سنوات نتحدث عن خيبات جديدة.