الخلاف في الحلف الخليجي الأميركي
هناك خلاف بين الولايات المتحدة الأميركية، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو جزء منها على الأقل، حول توصيف المشهد الراهن فمن جهة الولايات المتحدة توصّف العلاقات بأنّها تشهد خلافا تكتيكيا ضمن تحالف استراتيجي مستمر في المقابل لا يختلف الخليجيون أنّ التحالف مستمر، لكنهم لا يعتقدون أنّ الخلاف القائم تكتيكي، بل هو استراتيجي.
شكلت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للرياض الشهر الماضي مناسبة ستبقى عالقة تاريخياً كمحطة اختلاف والأهم محطة لدخول مفردات الانقسام الطائفي مستوى جديدا في توصيف العلاقات. إذ بحسب الرئيس أوباما وفي لقائه الذي استمر أربع ساعات مع ممثلي دول مجلس التعاون الست، كان الخلاف الأساسي هو إيران وفي تعبيرها عن هذا الخلاف، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال": "لقد قال الرئيس إنّ التقارير عن التوتر في علاقات الولايات المتحدة مع الملكيات السُنيّة (...) تمت المبالغة في تضخيمها، وأضافت أنّ الخلاف يتمحور بشكل عام حول إيران الشيعية بشكل خاص".
هناك تحالف تاريخي بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، تحدد مطلع ثمانينيات القرن العشرين، بشكل شبه رسمي، عبر ما سمي آنذاك مبدأ (الرئيس الأميركي جيمي) كارتر، والذي أعلن في 23 كانون الثاني (يناير) 1980، بالقول إنّه يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في الخليج العربي. وإذا كان مبدأ كارتر قد جاء ردا على تدخل الاتحاد السوفيتي وحربه في أفغانستان، فإنّ الرئيس الأميركي الذي خلف كارتر، العام 1981، رونالد ريغان، قام بتطوير المبدأ بعد اندلاع الحرب الإيرانية-العراقية، ليتعدى التحذير من تدخل من خارج المنطقة، ويشمل تدخلات من داخلها، كما من العراق أو إيران. وبالفعل، اختير المبدأ العام 1990، عندما احتل العراق الكويت، وتم تحريرها بالقوة العسكرية تحت القيادة الأميركية.
في الأثناء، فإنّ التحالف الأميركي الخليجي، وخصوصاً السعودي، لم يكن من طرف واحد. فمثلا، مع التعهد الأميركي بمنع عدوان سوفيتي، تدخلت السعودية ودول خليجية أخرى استخباريا وميدانياً لدعم تطوير حركة المجاهدين في أفغانستان ضد الشيوعية، بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية. وبالتالي كان هناك تحالف تكتيكي واستراتيجي فيه خدمات متبادلة، وكان هناك تنسيق على المستوى الميداني الخاص بمواجهة الأيديولوجيا وتكوين مجموعات عمل وأحزاب وحركات تكون جزءا من الحرب الباردة.
الآن، هناك اهتزاز شديد لهذا التحالف، أو هكذا ترى دول الخليج العربية. فهذه الدول حذرت أوباما، كما قال هو للإعلام، من "سذاجة" في التعامل مع إيران.
ما تطرحه واشنطن هو أنها ملتزمة بتقديم الدعم لدول الخليج لحماية سيادتها وأمنها، وأن هذا لا يتناقض مع تحول علاقات أميركا إزاء إيران، وأنّه يمكن الدمج بين السياسات الدفاعية الوقائية والحوار. ولكن لا يبدو أنّ دول الخليج تتقبل هذا، وتخشى من السياسات الإيرانية واحتمالات تدخلها في شؤونها الداخلية، ودعم حروب وصراعات بالوكالة لصالحها في دول عربية (مثل اليمن، ولبنان، وسورية، والبحرين، وغيرها).
ما تطرحه واشنطن أنّه من خلال الحوار ستشجع القوى المعتدلة في إيران الموافقة على الحوار والانفتاح. وما تريده السعودية ودول عربية أخرى (ربما كل دول مجلس التعاون بدرجات متفاوتة، وباستثناء سلطنة عمان المنفتحة تاريخياً على إيران)، هو احتواء وعزل إيران وإضعاف قدرتها على التدخل في الشؤون العربية.
الآن، تتخذ دول الخليج قرارات بالتحرك منفردة بدرجات متفاوتة في ملفات مثل اليمن وسورية وليبيا ومصر وغيرها، مع درجات متفاوتة من التفاهم والخلاف مع واشنطن. ولا شك أنّ هوية الرئيس الأميركي المقبل، وسياساته بشأن إيران ومدى التدخل في القضايا المختلفة، قد يحددان مسار العلاقات الخليجية الأميركية، نحو مزيد من التباعد أو العودة إلى تنسيق أكبر.