نهاية حلم صادق خان؟
علينا أن لا نخادع أنفسنا! إذ ثمة درس وحيد ستستلهمه شعوب الأرض المبتلاة بالفساد والاستبداد، وضمنها الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية، من قصة فوز المسلم ذي الأصول الباكستانية صادق خان، بمنصب عمدة عاصمة الإمبراطورية التي كانت تحتل بلاده ولا تغيب عنها الشمس.
هذا الدرس، بشديد بساطة ووضوح، ليس إلا أنه إذا أردت الكرامة والمستقبل، لأبنائك على الأقل، فإنه لا بديل عن التوجه إلى عالم الغرب؛ حتى وإن كان كافراً من وجهة نظر كثيرين، وإمبريالياً متوحشاً اقتصادياً واجتماعياً من وجهة نظر آخرين.
لكن، في مقابل ذلك، لا بد من الإقرار بحقيقة على ذات الدرجة من الوضوح حالياً، وهي أن هذا الدرس لم يعد قابلاً للاستهلام والتطبيق، إلى حد بعيد. إذ إن "الإسلامو-فوبيا"، ومعاداة الأجانب عموماً، تتصاعدان في أراضي الأحلام الأوروبية والأميركية، كما لم يحصل من قبل، أقلها منذ دحر النازية. وهو تصاعد يُترجم بانتخاب يمينيين في مراكز القرار الغربي، لا يخفون توجهاتهم العنصرية.
وخان نفسه تعرض لحملة معادية شرسة في طريقه للفوز، غمزت من قناة انتمائه الديني. مع إقراره بدعم إسلاميين متشددين في مرحلة ما كناشط في مجال الحريات، وتعبيره عن ندمه على ذلك. وهو اليوم سيكون خاضعاً لرقابة غير مسبوقة، وأي خطأ أو تقصير ارتكبه أسلافه سيكون في حالته مضخماً آلاف المرات، سواء لأنه مسلم أو ابن مهاجر من غير ذوي البشرة البيضاء.
وحقيقة نهاية الحلم بنسخة صادق خان وغيره كثير من الناجحين في عالم الغرب -من العرب والمسلمين، كما البسطاء والفقراء من كل دين وعرق- هو أمر أكثر من خطير، يجب أن يعيه صناع القرار في بلادنا قبل الأناس العاديين.
فإغلاق أبواب بلدان الغرب، لا يعني أبداً قتل الحلم/ الحق ذاته؛ والمتمثل في بلوغ الإنسان العربي حقه الطبيعي تماماً في الإنسانية الكاملة، من حيث هي حرية وكرامة وتعليم جيد ورعاية صحية حقيقية، وأمل بالمستقبل. وخان ما كان مؤهلاً للمنافسة على منصب رئيس بلدية لندن ابتداء، إلا بفضل ما تمتع به من حرية وكرامة وتعليم وصحة جيدين. لقد كان إنساناً، وناجحاً، قبل الفوز الذي يمكن أن يُعزى لأهل لندن أكثر من خان، وهو كان سيبقى هذا الإنسان الناجح ذاته حتى إن خسر الانتخابات.
باختصار، لم يبق من مجال أمام الغالبية العظمى من الشعوب العربية، إلا تحقيق حلمها الذي لا يموت في أوطانها الأصلية. وهو ما يعني الاختيار بين الإصلاح الشامل الذي يمكّن هذه الشعوب من المضي نحو إنسانيتها الشاملة، أو عدم الاستقرار ولربما الانفجار، كما يشهد "الربيع العربي" في بلدان ظنت أنظمتها أنها قادرة على الاستمرار بسياسة "لا خبز ولا حرية"، فيما شعوبها تطالب بالخبز والحرية معاً.
لقد انتهى حلم صادق خان في الغرب، لكنه بدأ ويتجذر في بلادنا. وهو سيتحقق حتماً طالما بقي بشر في عالمنا العربي. لكن على الأنظمة اتخذا القرار بشأن ما إذا كانت تريد أن تكون شريكاً في تجسيد الحلم، أم قيداً لا بد وأن ينكسر مهما مر من زمن.