أشهر حاسمة
وضعت موسكو وواشنطن كل ثقلهما الدبلوماسي والسياسي في سورية، لتثبيت الهدنة في حلب وعلى كل محاور القتال. وبتنسيق مبرمج مع الخارجية الروسية، دخلت واشنطن على خط اجتماع "أصدقاء سورية" في باريس، لتهدئة الخواطر وتجنب التصعيد في المواقف. وهذا ما كان؛ لقاء باريس انتهى ببيان يدعم جهود تثبيت الهدنة، واستئناف مباحثات جنيف.
الدبلوماسية الروسية والأميركية كانتا قد اتفقتا على نفس العنوانين، لا بل إن وزيري الخارجية؛ لافروف وكيري، يرغبان في عودة طواقم المفاوضات إلى جنيف في أقرب فرصة ممكنة، لأن ذلك يساعد في تدعيم الهدنة، ويمنح الدبلوماسية هامشا أوسع للمناورة، رغم ضيق المساحة المشتركة التي يلتقي عليها وفدا النظام والمعارضة.
في التصريحات الصحفية المنسوبة لدبلوماسيين روس، ثمة قناعة في موسكو بأن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة لجهة الحل السياسي في سورية؛ فمع نهاية شهر آب (أغسطس) المقبل، تتوقف ماكينة الدبلوماسية الأميركية عن العمل، وتدخل في سكون انتخابي طويل بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية.
موسكو تسعى إلى استغلال هذه المهلة للتوافق على المواد الأساسية في دستور سورية المستقبل. ويقول تقرير لصحيفة "السفير" البيروتية إن موسكو عرضت 12 مادة أساسية في الدستور المقترح على الرئيس السوري بشار الأسد، ووضع بعض الملاحظات عليها.
تطورات المشهد السوري في الأشهر القليلة الماضية، أثبتت أن بوسع موسكو وواشنطن فرض إيقاعهما على الأحداث إذا ما أظهرتا الجدية والرغبة. وتعد الهدنة الطويلة نسبيا مثالا حيا على قدرة الطرفين على التحكم بسلوك طرفي النزاع.
لكن، وعلى الدوام، كان بوسع اللاعبين الإقليميين والفاعلين السوريين إعاقة جهود "الكبيرَيْن". كما أن عدم التوافق على طبيعة المرحلة الانتقالية والخطوات التالية، يشتت قدرات الدبلوماسية، ويحول دون التركيز على بناء خريطة طريق واضحة تلتزم بها الأطراف كافة.
وإزاء هذا الوضع، يبدو تحقيق اختراق حاسم قبل نهاية شهر آب (أغسطس) المقبل، مهمة شبه مستحيلة، يتطلب إنجازها إرادة فولاذية من موسكو وواشنطن، وإذعانا كاملا من مختلف القوى الفاعلة في الأزمة السورية.
حتى اللحظة، لا تبدي تلك القوى والدول على الجانبين رغبة في الامتثال للرؤية الروسية والأميركية. لم يثبت بعد أن حسابات إيران تطابق رغبات موسكو. وعلى الجانب الآخر، ما تزال السعودية تلوح بالحل العسكري، فيما واشنطن تستبعده نهائيا.
أما تركيا، فقد باتت هي الأخرى عاجزة عن تعريف أهدافها في سورية، بعد أن تورطت في حسابات معقدة ارتدت عليها بشكل سلبي.
موسكو تهدف من وراء الضغط بعامل الوقت، إلى نيل موافقة واشنطن على خطة للحل السياسي تصبح أساسا لأي مفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة. وفي ظل انعدام القدرة على المبادرة من طرف واشنطن، ترى موسكو في هذه اللحظة فرصة سانحة لتسويات تتجاوز الملف السوري.
بعد لقاء باريس، وسلسلة الاتصالات المكثفة بين لافروف وكيري، سيظهر دي ميستورا من جديد، ليعلن عن موعد الجولة المقبلة من المفاوضات. وكما درجت العادة، سيحزم الجميع حقائبهم في الموعد المقرر، بانتظار وصفة جديدة لعلاج أزمة استعصت على الحل.