التفكير في حالة عجلون
لم نكن بحاجة لقيام مجموعة من شباب محافظة عجلون بمحاولة انتحار جماعي للفت انتباه الدولة في عمان لحجم تفاقم الاختلالات التنموية في المحافظات الأردنية التي ادركتها الدولة وباتت تعترف بها وتتعامل معها منذ أكثر من عقد ونصف العقد بدون أن تتحقق نتائج فعلية على الأرض.
محافظة عجلون تقدم مثالا صارخا لفشل التنمية يضاف إلى ذلك محافظات الجنوب التي اعتدنا الحديث عن حجم الفجوة التنموية التي تعاني منها ، فالمحافظة التي لا يتجاوز عدد سكانها 160 الف نسمة تعكس معادلة الوفرة والندرة، فهي المحافظة الخضراء ذات الثراء الزراعي وجبال الغابات والتقاليد الفلاحية التاريخية والمزيج السياحي الثقافي الديني والطبيعي. في المقابل تشبه قصة التحديث والتنمية فيها عشوائية لا طائل منها ؛ فقد وصلت نسبة الفقر إلى 25،6 % ، فيما تعد نسب البطالة من الاعلى على مستوى المملكة، وحسب معلومات وزارة التخطيط هناك ثلاثة جيوب للفقر ويبلغ عدد الفقراء وفق الارقام الرسمية نحو 40 ألفا، وفي الوقت الذي يعتمد السكان على القطاع العام في التشغيل 53 % فإن هناك نحو 20 % يعملون في قطاع الأعمال الصغيرة غير المنظمة وإذا ما أضيف إلى ذلك أعداد العاطلين عن العمل فإننا لا يمكن ان نتكلم عن استثمارات وقطاع خاص أو تنمية مخطط لها.
لا يوجد في محافظة عجلون مشروع اقتصادي يعود للقطاع الخاص يستقطب أكثر من 50 عاملا وربما أقل، بالمعنى الاقتصادي لا يوجد قطاع أعمال حقيقي في المحافظة، وحصة عجلون من الاستثمارات الوطنية الوافدة للمحافظة تكاد تكون معدومة، فيما حصة المجتمعات المحلية من الثروة الوطنية لا تكاد تذكر رغم كل ما نعرفه من ثراء طبيعي وتاريخي تتمتع به هذه المحافظة.
في بلدة مزدحمة مثل كفرنجة يزيد سكانها على 40 ألف نسمة يوجد في الأسرة الواحدة من أربعة الى خمس أشخاص بدون عمل معظمهم من خريجي الجامعات، فيما ترتفع العنوسة ويزداد معدل الإعالة وتنتشر الأمراض المزمنة والشيخوخة المبكرة، فرغم أن المحافظة نالت النسبة الأعلى في التأمين الصحي العام والعسكري لأن معظم العاملين من أبناء المحافظات يعملون في هذه القطاعات؛ فهي أكثر المحافظات في العلل والأمراض سواء الأمراض المزمنة أو الإعاقات، والافقر وطنيا في البنية التحتية في مجال الرعاية الصحية، ومن أفقر مناطق المملكة في البنية التحتية والخدمات التعليمية حيث نسبة المدارس المستأجرة 40.8 %. فيما نسب التعليم في المحافظة مرتفعة ومن أعلى النسب في المملكة.
وعلى الرغم من الإعلان عن إنشاء منطقة تنموية خاصة في عجلون العام 2009 وإعلان خطة في ذلك الوقت تشمل 24 مشروعا كبيرا فإن هذه المنطقة ما تزال تراوح مكانها ولم تخط أي خطوة، وقبل ذلك وفي العام 2002 وفي أثناء زيارة جلالة الملك للمحافظة، عبّر رسميون عن أحلام وردية تستحقها عجلون وممكنة، تحدثوا عن وادي سيلكون أردني وصناعات الكترونية ومزيج سياحي جديد ولكن بدون جدوى.
مقابل الكتل الشبابية العريضة الغاضبة التي تبحث عن العمل والأمل والتي تركت للإهمال والبطالة والفقر والمرض لسنوات طويلة وتفتك بها اليوم مشاعر الغضب والانتقام ، ما تزال الفرصة ممكنة، لإعادة التفكير بخريطة تنموية جديدة لإقليم عجلون وجرش بما يكتنفه من فرص تنموية واقتصادية حقيقية تسهم في إعادة توطين الإنتاج وإحداث تغيير ثقافي اجتماعي حقيقي، علينا أن نتصور إقليم عجلون وجرش رئة عمان الترويحية والسياحية والريفية، فعمان التي تتورم بنحو 40 % من سكان المملكة تعيش بدون رئة تتنفس منها، وهذا ممكن في أن يتحول هذا الإقليم إلى مقصد يجذب كل أسبوع مئة ألف زائر ومتنزه، ما يحتاج إلى استثمار جريء في البنية التحتية وعلى رأس ذلك إيجاد طريق مباشر يربط العاصمة بعجلون حيث يتحدث السكان المحليون عن الطريق الروماني الذي إذا ما شق سيقلص الرحلة من عمان إلى عجلون من ساعة ونصف الساعة الى نصف ساعة فقط.
علينا أن نفكر في نمط جديد من التنمية الريفية القائمة على تنمية قطاع صناعات غذائية وصناعات ريفية وثقافية يتكامل مع صناعة سياحية محلية وعربية بالدرجة الأولى؛ مجرد ذلك سيحدث الفرق.