لماذا الملقي؟
المهمة السياسية لم تعدّ -عملياً- من اختصاص الحكومات؛ فقانون الانتخاب موجود، ونظام توزيع الدوائر أُقرّ، وهناك هيئة مستقلة تدير الانتخابات، وحسابات لم تعد معنية بها الحكومات. وثمة إعادة توزيع وهيكلة للأدوار داخل "السيستم"، بخاصة بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، جعلت من مهمة رؤساء الوزراء أقرب إلى إدارة الحياة الاقتصادية اليومية، وحكوماتهم ذات طابع تكنوقراطي. ومن المستبعد أن يثور رئيس الوزراء الجديد د.هاني الملقي، ضد هذه الصيغة!
لذلك؛ فإنّ المهمة الرئيسة لحكومة د.الملقي، هي في الحقيقة اقتصادية، في ظل شعور بالقلق الشديد في الأوساط الرسمية والاقتصادية من الأوضاع الراهنة، وارتفاع سقف التوقعات فيما يخصّ المجلس الاستثماري الذي أُسس ليتخصص بالاستثمارات السعودية المرتقبة، وفي الوقت نفسه مراجعة ما تمّ إنجازه وتحقيقه فيما يخصّ مخرجات مؤتمر لندن لدعم الدول المستضيفة للاجئين السوريين.
إذن، جاء د.الملقي على خلفية المهمة الاقتصادية، بعد أن كانت هناك أسماء متداولة في التكهّنات والتحليلات السياسية، في مقدمّتها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، على الخلفية نفسها. لكنّ يبدو أنّ الخيار استقرّ على د.الملقي لأسباب متعددة، في مقدّمتها إعطاء الفرصة الكاملة لانتظار الاستثمارات السعودية الموعودة، التي من الممكن أن تحرّك عجلة الاقتصاد!
د.الملقي عمل في الحقل الدبلوماسي على مستويات عدة، بين سفير ووزير للخارجية، كما حمل حقائب اقتصادية في حكومات سابقة (وزيراً للمياه، للطاقة، للتموين والصناعة والتجارة). لكن يقال إنّ تجربته في العقبة الاقتصادية هي التي حملته إلى سلّة الرهانات والخيارات المتاحة والمطروحة.
الفترة الأولى من حكومة الملقي ستكون بلا ضغوط نيابية أو سياسية كبيرة. وستعمل الحكومة بأريحية أكثر لتنفيذ أجندة اقتصادية، وسيطلب منه التفرغ لهذا الجانب. وهذه الفترة نفسها ستكون "اختباراً" للرجل، ومدى قدرته وكفاءته على الاستمرار، كما حصل مع حكومة د.عبدالله النسور، بعد الانتخابات النيابية المقبلة. فمصير الحكومة مرتبط بأمرين؛ الأول الاستثمارات السعودية والخليجية. والثاني، أداؤها وقدرتها على معالجة القضايا اليومية والإدارية اليومية، والتعاون مع السلطات الأخرى في الدولة.
ماذا سيفعل الملقي لإعادة تأهيل مخرجات مؤتمر لندن، التي حملت سقف توقعات مرتفعاً في البدايات، ثم بدأ بالتبدد والتلاشي مع مرور الوقت؟ وماذا يمكن أن يفعل لتوفير البيئة المناسبة المطلوبة للاستثمارات السعودية، ولإنجاح عمل المجلس المشترك الأردني-السعودي، في ظل سقوف مرتفعة أيضاً من التوقعات؟
من المفترض أن يبقي د.الملقي على عدد من الوزراء "التكنوقراط" من حكومة د.النسور، ممن أثبتوا وجودهم، وأمسكوا بملفات حيوية ومهمة، وفي مقدمتهم وزير المياه ووزير الطاقة ووزير الزراعة ووزير البلديات ووزيرة الاتصالات ووزير الصحّة. وعلى الأغلب، سيبقى وزيرا الخارجية والمالية. لكن من المتوقع أن يتغيّر وزراء الثقافة والعمل والصناعة والتجارة.
من المتوقّع أن يتم دمج حقيبة الثقافة بالشباب، بعد أن نما إدراك في أوساط مراكز القرار العليا بأنّ هناك ضعفاً في الاتصال بين الدولة وجيل الشباب الذي يواجه أخطار التطرف والمخدرات وضعف الهوية الوطنية الجامعة، ما يعطي أيضاً أهمية لحقيبة وزارة الأوقاف ودورها المطلوب في المرحلة المقبلة.
يبقى أنّه بالرغم من "تحجيم" دور الحكومات واقعياً، ومن وجود شخصية لها وزنها في رئاسة الهيئة المستقلة للانتخاب، د.خالد كلالدة، فإنّها -أي الحكومة- دستورياً وأدبياً، هي المسؤولة عن نجاح الانتخابات ونزاهتها أو العكس. وهو ما على الرئيس الجديد وحكومته أن يدركاه جيداً، بخاصة أنّ والد د.هاني الملقي كان أول رئيس وزراء في عهد الملك الحسين رحمه الله، واعتبرت حكومة والده إحدى أكثر الحكومات الليبرالية في تاريخ المملكة، كما يصفها السياسي العريق إبراهيم عزالدين.