معركة الرقة
ما الذي يحدث في شمال الرقة؟ لليوم الرابع على التوالي، تستمر الحملة العسكرية التي تنفذها قوات سورية الديمقراطية، والتي تضم مقاتلين كردا وعربا، مع غلبة واضحة للكرد. لكن الحملة تستمر من دون تقدم حقيقي، بعكس العمليات العسكرية السابقة التي خاضتها قوات كردية ضد تنظيم "داعش"؛ كما تتغير أهدافها أيضا.
المعلومات الواردة من هناك تعكس الصراع حول من يصل إلى الرقة أولا، فيما تكاد تجمع معظم المصادر على أن الولايات المتحدة دفعت بقوات سورية الديمقراطية على عجل لبدء المواجهة مع "داعش" في معقله الرئيس. ويبدو أن أهداف العملية تغيرت، أو شهدت تعديلا جوهريا من عملية دخول الرقة والسيطرة عليها، إلى عملية تستهدف الوصول إلى شمال الرقة، ثم نفي أي نية لدخول المدينة والتمركز فيها.
ثمة صراع خفي وظاهر على إدارة الصراع مع تنظيم "داعش" في هذه المرحلة، بات يكشف الأجندات والمصالح التي أبطأت خلال الأشهر الماضية حسم المعركة ضد هذا التنظيم. واضح أن الولايات المتحدة رفضت دعوات التنسيق الروسية، فيما يدفع الأتراك سياسيا وعسكريا لتعطيل مشروع وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سورية الديمقراطية، وهو ما أعلنه رسميا نائب رئيس هيئة الأركان التركي. فيما الأمر غير المتوقع بدء القوات التركية ضربات ضد "داعش"، والدخول في عمق الأراضي السورية نهاية الأسبوع الماضي. وسبق في أشهر ماضية سلوك عسكري تركي مشابه؛ حينها اتهم الأكراد القوات التركية بأنها توجه قذائفها في الليل نحو الأكراد، فيما تعلن في الإعلام في النهار أنها تستهدف تنظيم "داعش".
"داعش" خسر مساحات محدودة في شمال الرقة. لكنه وجه جانبا من قواته باتجاه ريف حلب الشمالي حيث مدينة اعزاز ومارع. أما النظام في دمشق، فقد كان تحدث عن إطلاق ما سماها "المعركة نحو الرقة" انطلاقاً من أماكن تحصنه في منطقة أثريا بريف حمص الشرقي، وهو ما تحدثت عنه مصادر روسية في مناسبات متعددة، تحت مسمى فتح معركتَي الرقة ودير الزور معا.
يبدو المشهد العسكري والسياسي في شمال سورية في أوضح صورة؛ كيف تتصارع الأجندات السياسية الدولية والإقليمية، وبالتالي كيف تطيل من عمر التنظيمات المتطرفة، بمن في ذلك التنظيم الأكثر دموية في التاريخ المعاصر والحديث، والذي أقر بضرورة اقتلاعه القريب والبعيد، فيما يعمل صراع الأجندات السياسية والمصالح الدولية على عرقلة الوصول إليه، بل ويفتح أمامه الطرق لكي يتمدد باتجاهات أخرى.
لقد تم التحضير لهذه العملية العسكرية بحملة إعلامية ودعائية واسعة، ساهمت فيها الولايات المتحدة بوضوح. في المقابل، تمت مواجهتها بحملة مقابلة قادها الأتراك. وساهمت التنظيمات السورية العربية في بعضها، على أساس أن دخول "قوات سورية الديمقراطية" إلى الرقة يعني عمليا أن المدينة ستدخل ضمن نفوذ وسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، كما هي الحال بشأن مدينة تل أبيض ذات الأغلبية العربية سابقا، وأن كل ما يحدث يأتي في سياق ما بات يسوق له تحت عنوان "فيدرالية الشمال"؛ أي البداية العملية لتقسيم سورية التاريخية.
ما يدور حول الرقة اليوم يمنحنا مثالا واضحا على أن ما يحدث في سورية اليوم هو إدارة للصراع وليس حلا للصراع، وأن التخلص من تنظيم "داعش" ليس مسألة قدرة، بل مسألة إرادة.