#غزة تحت القصف
هذا الوسم الذي تصدر تغريدات موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، هو تقريبا أكثر ما تلقته المدينة المحاصرة من سنوات عجاف طويلة، كرد شعبي انفعالي غاضب. ففي الليلتين الأخيرتين تعرضت مدينة غزة لعشرات الغارات الجوية من قبل طيران الدولة الصهيونية، مستهدفة مباني وأهدافا موجودة أساسا في وسط أحياء سكانية، وهذه هي العادة بالنسبة للوضع في غزة.
الغريب، ولست متأكدة أنه غريب جدا، هو ردة فعل الإعلام العربي الباردة تجاه ما يجري من قصف وتدمير ممنهج، فوق رؤوس الشعب الفلسطيني في غزة، رغم اشتعال مواقع التواصل بالخبر والصور والروايات المسجلة من أرض الحدث. بل وعلى الرغم من تراجع الاهتمام إن لم يكن تقهقره بالقضية الفلسطينية عموما، خلال السنوات الخمس الماضية في الإعلام العربي الحكومي والخاص كذلك، إنما أخبار تتصدر مشهد الالتفات على الأقل، كقصف غزة ومواجهات المسجد الأقصى شبه الأسبوعية، والتوسع الاستيطاني الضارب بعرض الحائط كل القوانين وردود الأفعال، كل هذه الأخبار ومثلها من التقارير والقصص المتعلقة بالأسرى والشهداء، لا تجد لها متسعا يحترم مكانتها الوجدانية ولا قيمتها الخبرية، في عناوين الأخبار والصحف العربية.
دراسات أكاديمية قليلة بدأت ترصد لموضوع تراجع خبر القضية الفلسطينية في التكوين الخبري ومن ثم الإعلامي العربي، خلال فترة ما يسمى بالربيع العربي، وما تبعته من حروب على الإرهاب فيما يطلق عليه بالمناطق الساخنة. وكل تلك الدراسات أقرت بوجود خلل متقصد أو غير متقصد، بخصوص تناول القضية التي كانت الأم قبل سنوات خلت. وهذا الموضوع الذي يفرح دولة طارئة لئيمة كالكيان الصهيوني، كان عليه ألا يفرح قنوات وجهات إعلامية من المفترض أنها كبيرة بمقاييس العمل الصحفي. لكنه للأسف هذا ما يحصل ويؤكد نفسه مع طلعة كل نهار، لم ينم ليلة سكان الأراضي المحتلة، إما بسبب قصف طائرات يحصد أرواحا وبيوتا وطمأنينة، وإما بسبب تداعيات المواجهات مع المستوطنين والجيش بعد الاعتداء على المقدسات الدينية، أو عمليات التوسع المتسارعة على الأراضي الفلسطينية. فهنا يكون تراجع الخبر الفلسطيني ليس مرده إحلال أخبار سورية واليمن وليبيا والعراق فقط؛ بل هو قرار تحول إلى اعتياد متعمد في طريقة تناول القصص الإخبارية القادمة من الأراضي المحتلة، ضمن حملة التناسي المدروسة جيدا من قبل دول تدير هذه المحطات والقنوات الفضائية، أو تتحكم بعناوين أخبار صحفها ومواقعها الإخبارية.
وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تفزع كعادتها لمثل تلك الأنباء، الملاحظ أن هبتها الإنسانية تلك لا تواكب عدد الأيام التي تمر على الفلسطينيين كأنها سنوات، فتراها تنكمش تلقائيا أمام أخبار أو مواضيع اجتماعية وفنية ورياضية، تستحوذ المتابعة والتعليق والاهتمام أكثر.
واضح أن ما زرعه الإعلام العربي خلال الفترة السابقة، فيما يخص الاهتمام بالقضية الفلسطينية، يحصد نتائجه الآن على الصعد كلها، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، الذي كان قبل سنوات بسيطة شوكة في حلقه، وغصة في صدره تقلقه وتهدد عمله المهني. وببساطة يمكننا عن طريق تصفح تلك المواقع خلال نصف ساعة، أن نرصد هذه النتائج المحزنة إن لم تكن المخزية في الواقع!
حتى إعلام الكيان الصهيوني ومراقبوه من الباحثين والدارسين في الشأن العربي، وجمهوره وقياس رجع الصدى لأحداث جسيمة كالقصف الأخير فوق رأس أخوتنا في غزة، يتحدثون عن حالة موت الضمير العربي، والتي يسمونها هم بـ”تخدير القلق الشعبي العربي”. طبعا يتحدثون عن الأمر بسعادة البارع في تحقيق هدفه المنشود خلال فترة زمنية محددة، وبنجاح فريق المهمة المشتركة وغير الصعبة كما تبدى لهم ولنا، في تبديد وهم كان عنوانه أياما ما “القضية الفلسطينية العادلة”. فلا موت ولا تخريب ولا اعتقال أطفال ولا احتقار أسرى ولا توسعا استيطانيا ولا تدنيس مقدسات، صار محركا يخيفهم منا، طالما الأمر لا يتعدى وسما في موقع تواصل.