النفط مرآة أحوالنا
ضخمة هي الموارد المالية التي خسرتها الدول المنتجة للنفط ككل، نتيجة تراجع أسعاره خلال الفترة الماضية؛ من ما يزيد عن 100 دولار للبرميل، إلى أسعار تدور في فلك 55 دولاراً.
ما يهمنا نحن العرب، هو أحوال الدول الخليجية الشقيقة التي تراجعت إيراداتها من هذه السلعة الاستراتيجية بحوالي 150 مليار دولار العام الماضي. ويُتوقع أن يكون التراجع قريبا من هذه الحدود خلال العام الحالي أيضاً، برغم الارتفاع الطفيف التي شهدته أسعار النفط العالمية هذا العام.
ويبدو أن الأعوام المقبلة كذلك لن تكون أفضل للدول النفطية. إذ تشير غالبية التوقعات إلى أن الأسعار ستبقى عند المستويات ذاتها تقريباً. ما يعني أن هذه الدول ستواصل التعايش مع وضع مالي غير مريح، كون السعر الذي يلبي احتياجاتها لا يقل، عموماً، عن 90 دولاراً للبرميل. وهو رقم بات من الصعب بلوغه حالياً، كما تؤكد غالبية الدراسات العالمية.
المعاناة المالية تتسع في ظل الحروب التي تشهدها المنطقة، والتي أُنفق عليها الكثير. متزامنا ذلك مع تغطية تكاليف شبكة أمان اجتماعي ضخمة أصلاً، ارتفعت قيمتها بشكل أكبر خلال السنوات الماضية. وهو ما دفع حكومات هذه الدول إلى ضبط النفقات انسجاما مع الأوضاع المالية العامة المستجدة.
اللافت عند مراجعة قرارات الدول الخليجية التصحيحية والتكيّفية، هو أنها جميعاً عمدت إلى رفع أسعار المحروقات؛ إذ لم تتأخر أي دولة عن ذلك، رغم أنها منتجة للنفط. وذلك تماشيا مع السعر العالمي المنخفض، وانعكاسه السلبي على موازنات هذه الدول.
فالإمارات العربية المتحدة، والكويت، والسعودية، كما البحرين وقطر، كلها اتخذت قرارات تمسّ أسعار المشتقات النفطية أو القطاعات المدعومة من النفط، لغايات تخفيض إنفاقها على هذا البند، وبالتالي تقليص العجز في موازناتها، بعد أن توقفت عن تحقيق فوائض مالية منذ تدني أسعار النفط لحدود ثلاثين دولارا للبرميل.
في الأثناء أيضا، بدأت هذه الدول التفكير في تحصيل إيرادات مالية غير نفطية، تتأتى من خطط استثمار تطبقها. لذلك، أطلقت السعودية خطة (رؤية) 2030، تحضيرا لفترة ما بعد النفط، وبدأت فعلاً تنويع استثماراتها العالمية من خلال صناديقها الاستثمارية. وكذلك فعلت الدول الأخرى، وإن بدرجة أقل.
على عكس الأزمة المالية التي تعاني منها الدول الخليجية، تجد دول غير منتجة للنفط، مثل الأردن، نفسها أقل توترا. لكنها تبقى أيضا تعاني من بند دعم ضخم للكهرباء تحديدا، ما يضيف بدوره أعباء كبيرة على الموازنة العامة، ويساهم في زيادة العجز المالي والمديونية.
رغم ذلك، تبقى مشاكل الدول المنتجة للنفط مقارنة بتلك غير المنتجة له مختلفة تماما، إن بحجمها أو تبعاتها. هذا عدا عن أن معاناة الطرفين من التقلبات النفطية تكاد تكون متعاكسة؛ ففي حين تفرح الدول النفطية حتماً بارتفاع أسعاره، نجد الأردن يحبس أنفاسه. وإذا كانت الدول الخليجية ترسم مستقبلها وترفع الأسعار وتُقرّ ضرائب جديدة، فما الذي يملكه الأردن من حلول؟
إن كانت الدول المنتجة للنفط قد رفعت أسعار المحروقات، فكيف للحكومة الأردنية أن تتصرف، وما هي الخيارات الأقل ضررا على الشرائح والقطاعات المستهلكة، إن لجأنا للخيار ذاته (مرة أخرى)؟
معروف أنّ لدى وزارة الطاقة دراسة دقيقة حول التوقعات بشأن أسعار النفط، وانعكاس ذلك على الخزينة والمستهلك. وهي تحضر سيناريوهات لزيادة الأسعار مع بداية العام المقبل، تطبيقا لالتزام الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بحيث تكون هذه الزيادة أقل ضررا بالشرائح الدنيا.
أجلت الحكومة قرار زيادة الأسعار بضعة أشهر، لكن أغلب الظن أن ترحيل القرار مجددا هو أمر صعب. ومن ثم، فعلينا التحضر له، وأن نراعي أحوال الناس المالية، لاسيما أن نمو دخل المواطن بالكاد يُلمس، ما يتطلب التوازن الحذر في اتخاذ مثل هذه الخطوات.