قضية المرأة.. تقدُّم شكلي..!
يتولد انطباع لدى مراقبة أوضاع النساء في العالم العربي، بأن التقدم الذي أحرزته المرأة في العقود الأخيرة كان شكلياً أكثر من كونه جوهرياً. وعلى سبيل المثال، يُلاحظ أن الأمهات والجدّات كنَّ يتمتعن بحريّة حركة أكبر في الحياة الاجتماعية. كانت النساء الريفيات يعملن في الحقول إلى جانب الرجال من دون العُقد التي أصبحت تخالط عمل المرأة اليوم. ولم يكُن التحرش بالمرأة بأنواعه الحاضرة ملحوظاً كما هو اليوم. ولا يعني ذلك أن وضع المرأة العربية في القرن الماضي كان مثالياً، لكنّ التحضُّر الذي كان ينبغي أن يجلب تقدُّماً لقضية المرأة جلب في ركابه الكثير من التعقيدات الجديدة، وأنتج تناقضاً واضحاً بين الشكل والمضمون.
لا ينفصل هذا قطعاً عن أزمة المجتمعات العربية التي طورت إلى حد ما بنية ماديّة معقولة، في حين تراجعت الروح وتجمد مشروع تطوير الإنسان. كما أبرزت زيادة وعي المرأة بقضاياها نوعية العقبات المتراكبة التي تعترض طريقها. وقد تكالبت القوانين الرسمية التمييزية، والأعراف الاجتماعية الأبوية، والأحداث التي تدفع نحو الانفصال والعنف، لتجعل نضال المرأة الآن أصعب من أي وقت سابق.
بطبيعة الحال، تشترك النساء مع الرجال في مواجهة نفس المشكلات الضاغطة التي تعاني منها المنطقة. لكنّ المرأة تصبح ضحية مرتين، حين تواجه قمع السلطات التقليدية لكل المواطنين، مضافاً إليها قسوة مواطنيها الذكور، لتصبح ضحية الضحية أيضاً. وقد شاهدنا تعرض النساء المشاركات في احتجاجات الربيع العربي في مصر، مثلاً، للتحرش والمضايقات من زملائهن المحتجين، بالإضافة إلى مضايقات أجهزة الأمن. كما تناضل النساء اللواتي شاركن بقوة في ربيع تونس للاستفادة من النجاح النسبي للانتفاضة في بلدهن، ويجدن صعوبة في المشاركة السياسية بسبب عقود من تعطيل حقوقهن وإبعادهن عن المشهد العام.
في أماكن الحروب الكثيرة في المنطقة العربية، تعاني النساء من القتل والتهجير، وموت أزواجهن واضطرارهن إلى تحمل أعباء إطعام العائلة. وتتعرض أخريات للاستعباد الجنسي والسبي. وتعاني الفتيات في مناطق الأزمات والتقاليد المتخلفة من الزواج القسري وزيجات الأطفال. وما تزال النساء والفتيات ضحايا دائمة لما يدعى "قتل الشرف"، وكأنهن أملاك شخصية لأقاربهن الذكور الذين يعتقدون أنهم أصحاب القرار في حياتهن وموتهن، مؤيدين بالقوانين المخففة والتواطؤ الاجتماعي. كما تعاني النساء من التمييز في فرص العمل، ونوعية الوظائف والأجور. وبطبيعة الحال، يضيف تهميش النساء واختزال أدوارهن إلى المشاكل البنيوية في التنمية، والسلام والأمن الاجتماعيين، والاقتصادات.
في هذه الأيام، تتركز الأضواء على قضايا المرأة العالمية من خلال حملة "16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة"، ويشارك الأردن في هذه الحملة. وفي المناخات العامة التي ينبغي أن تفرض الجدية في متابعة مشروع إصلاح وطني، ستكون مسألة التعامل مع قضايا النساء وإطلاق طاقاتهن الإيجابية واستثمارها عنصراً أساسياً ولا غنى عنه. ويحتاج إحراز تقدم في هذا المجال إلى حملة وطنية لا تقتصر على أسبوعين من النشاط الذي لا ينتبه إليه كثيرون. إنه يحتاج إلى جهد رسمي مركز لمراجعة قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالمرأة، وتفعيل القوانين التي تحاسب بجدية ممارسي العنف والتمييز ضد النساء.
وعلى الصعيد المدني، ينبغي رفع منسوب الوعي العام بحقوق النساء، وإلزام الجميع بقانون رسمي عادل، وإلغاء الصلاحيات التي تمنحها الأعراف للرجال بالحكم على المرأة وتقرير مصيرها بحرية، وتنفيذ أحكامهم بأيديهم مع التمتع بالحصانة النسبية. وتترتب على الأسر والمدارس والجامعات مسؤولية إشاعة فِكر منصف، يضيء أدوار المرأة، الأم والزوجة والشقيقة والزميلة والشريكة التي لا غنى عنها، ولا يعزِّز مشاعر الذكور بالفوقية في البيت والشارع.
تحتاج الدول النامية والطموحة أكثر من غيرها إلى الاستفادة من طاقات كل مواطنيها. كما تحتاج أي مشروعات وطنية تأمل النجاح إلى الانسجام بين الفكرة وتحققها المادي. ولكل الأسباب الأخلاقية والإنسانية والعملية، نحتاج هنا في الأردن إلى محاولة الريادة في مساعدة تقدُّم المرأة الأردنية، التي تشكل مشاركتها ضرورة وجودية –لا أقل- لإنجاح أي مشروع وطني آمل. وبغير ذلك، سيتواصل فقط تعميق الانفصام والازدواجية، حيث يفاقِم ادعاء التقدم ظاهرياً والتواطؤ مع التخلف باطنياً خداعَ الذات، والإصرار بعناد على السير إلى الوراء.