إضرابان عن الطعام بينهما 79 عاما
بحلول 25 نيسان 1938 كان قد انقضى اليوم السادس للإضراب عن الطعام في السجون.
بحلول 25 نيسان 2017 كان قد انقضى اليوم الثامن للإضراب عن الطعام في السجون.
عاشت فلسطين، أمس، مشاهد لم يعرفها الأطفال والفتيان من قبل، فمشاهد الإضراب الشامل، والمسيرات غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، ولكن الإحساس العام أنّ الأيام المقبلة هي التي قد تشهد بداية الحدث الحقيقي، إن لم يجر التوصل لاتفاق ينهي الإضراب. بل إنّ حشدا وسط رام الله أمس، كان بهدف الإعلان عن حشد مركزي احتجاجي يوم الأربعاء المقبل.
إلى ذلك فإنّ السؤال المركزي الذي يبرز أيضاً على هامش الحدث، هو كيف يمكن حسم هذه المعاناة وإلى الأبد؟ ولعل تقريرا مختصرا نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن صحف العام 1938 ، يعزز هذا السؤال، فالمأساة تتكرر دون توقف، وتقرير "وفا" هو عن إضراب للأسرى ذلك العام.
في 25 نيسان 1938 نقلت صحيفة "الدفاع" الفلسطينية أنّ 38 معتقلا تم نقلهم إلى المستشفيات بعد أن بدأوا برفض تناول الحليب الذي كانوا يتناولونه في أوائل أيام الإضراب.
إذا قرأنا أكثر في الصحيفة الأصلية، بما يتعدى أخبار إضراب الأسرى، وذهبنا إلى الصفحة الثانية، نجد موضوعا عنوانه "من بطون التاريخ: ثورة فلسطين في القرن الماضي (...) بدء الاضطرابات في السلط ومحاصرة القدس".
في صحيفة الجهاد لذات اليوم، 26 نيسان 1938، كان الحديث تحت عنوان "إخواننا المعتقلون: ارفعوا عنا هذه الكمائم، ودعونا نشم ريح الشمال"، وفي الخبر "ألوف مؤلفة من الشيب والشباب يقيمون منذ شهور، بل ومنذ سنوات في أعماق السجون، أو في معسكرات الاعتقال، (...) ولم تصدر السلطات العسكرية أو المدنية أوامرها بسجن هؤلاء أو اعتقالهم بموجب أي قانون من القوانين العادية".
يجب إخبار البريطانيين المحتفلين بمئوية وعد بلفور، أنّ الأسرى الحاليين، يُقمعون ويسجنون بقوانين بريطانية، كالاعتقال الإداري.
كانت الثورة التي تتحدث عنها "الدفاع"، والتي كانت بالتأكيد حاضرة في ذهن بعض الفلسطينيين حينها، نقلا عن آبائهم، تعود للعام 1834. ففي العام 1832 أتم محمد علي باشا، حاكم مصر، احتلال فلسطين. وإذ انقسم الأهالي بين مؤيد للحكم الآتي من مصر والسلطان العثماني، فإنّ مما حسم الموقف ضد الحكم الجديد، هو انفتاحه على الأوروبيين ومحاولة تقديم تسهيلات لوجودهم في فلسطين، وتبنيه سياسة، وصفها عادل مناع في كتاب "تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني" بأنها "تسمح بازدياد نفوذ تلك الدول (الأوروبية) اقتصادياً وسياسياً وثقافياً"، هذا إضافة لمحاولة تجنيد الأهالي للجيش، وفرض ضرائب وعمل بالسخرة. وتقول صحيفة الدفاع "إنّ الاضطرابات أول ما بدأت في السلط" (يوم 245 1834). أما عادل منّاع فيقول أنّه عندما اشتد القمع ضد أهالي الخليل، هرب الثوار منها، إلى الكرك، شرق الأردن، وتحصنوا في قلعتها. واستمرت الثورة حتى انتصارها.
الفرق، ربما، بين الإضراب الذي تتحدث عنه صحف 1938 واليوم أنّ المعلومات حينها عن واقع الأسرى وما يحدث معهم كانت أكثر مما يحدث حالياً، حيث العزل التام للأسرى هو السائد الآن. ومن هنا يمكن أن تفهم موقف سيدة مسنّة أمس تحمل صورة ابنها الأسير، تمازح شابا، هو ابن أسير؛ تصفعه تحببا على وجهه، ثم تضمه إليها، ثم تجلس على الكرسي وتنهمر دموعها.
بالتأكيد أن ثوار 1834 كان لديهم ذكريات وأخبار ثورات سابقة، لا تنتهي، ولو وضعت قائمة بالثورات التي شهدتها فلسطين منذ تحريرها من الصليبيين، فستفاجئ غالبية الناس. وهذا يعني أنّ الإرث الثوري لا ينتهي، ولكن السؤال المحوري، هو إلى متى؟ وكيف ومن يضع حدا للمعاناة؟
عندما دخل بعض الأٍسرى الحاليين للمعتقل، من المحتمل جدا، أن بعض من أضربوا العام 1938 كانوا على قيد الحياة، تماما مثلما كان يمكن أمس أن تجد في الشارع مئات يحكي كل منهم قصة الإضرابات التي خاضها يوماً في السجون. ولكن يمكن الزعم أن هذا الإضراب مختلف عن غيره، وسيكون كذلك إذا استمر التأييد الشعبي في التصاعد وانتشر للدول الأخرى.
متى تكون آخر ثورة؟ وآخر إضراب؟