من أي زاوية نرى ؟
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ، تتوالى ردود الأفعال بأشكال مختلفة ، بعضها صدامي دموي كما هو الحال في القدس وبقية مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ، والآخر احتجاجي رسمي وشعبي في أنحاء مختلفة من العالمين العربي والإسلامي ، ودول أخرى من العالم ، لكن ذروة الموقف السياسي تم التعبيرعنه في قمة اسطنبول الإسلامية التي أجمعت على رفض قرار ترمب ، والتحذير من أنه قد يؤجج الصراعات في المنطقة ، ويقوض الجهود المبذولة للقضاء على الإرهاب ، الذي يتغذى في جانب منه على التطرف الديني .
ومن قال إن الرئيس ترامب لا يعرف سلفا طبيعة ونوعية ردود الأفعال على قراره ؟ فهو بقدر ما يؤمن بدوافع قراره وتوقيته ، يعرف ما تعنيه القدس للمسلمين والمسيحيين على حد سواء ، ويعلم أن جزءها الغربي محتل منذ عام 1948 ، وجزءها الشرقي محتل منذ عام 1967 ، وهذا الجزء صادر بشأنه العديد من القرارات الأممية التي تؤكد في مجملها على عدم شرعية احتلالها ، ولا على تغيير واقعها إلى حين التوصل إلى حل يعيدها إلى الجانب الفلسطيني .
ينظر المحللون السياسيون والصحافيون ، والباحثون في علوم التاريخ والأديان إلى هذا التطور من زوايا مختلفة ، البعض يراه منسجما مع نوع العلاقة التي تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ، والبعض الآخر يرى فيه مقدمة لما سمي بصفقة العصر التي تقوم على خارطة ومفهوم جديدين لقضية الشرق الأوسط ، إن جاز التعبير، وآخرون يربطونه بأحداث تاريخية ودينية وما ورائية تتصل بعودة المسيح عليه السلام أو مجيء المسيح الحقيقي كما يعتقد اليهود وما يعرف كذلك بالمسيحية الصهيونية الجديدة !
في جميع الأحوال قرار الرئيس الأمريكي يتجاهل الحقائق التاريخية والقانونية والسياسية ليس للقدس وحدها ، بل لقرارات الشرعية الدولية ، واتفاقيات ومبادرات السلام التي تعرفها المنطقة منذ قرار مجلس الأمن الدولي 242 إثر العدوان والاحتلال الإسرائيلي عام 1967 ، ويقلب صفحة الحديث عن أي نوع من المفاوضات يمكن أن تقوم على تلك الأسس !
والسؤال الذي يهمنا كأردنيين ، ما هي الزاوية التي نرى منها حقيقة ما يجري ، وأبعاده ومخاطره علينا ، ونحن لسنا معزولين عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ، ولا عن شرعية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ، ولا عن المسؤولية الشرعية والقانونية والسياسية لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الذي سعى بصورة متواصلة إلى حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ، عن طريق العودة إلى طاولة المفاوضات ، وصولا إلى حل الدولتين ، أي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية ، وكان في طليعة الذين حذروا من أن تجاهل هذه القضية يؤدي إلى مزيد من التطرف والعنف ، وإلى صراعات إقليمية ، واختلالات في موازين القوى بحجة القضية الفلسطينية التي لا يمكن إنكار بعدها الديني عندما يتعلق الأمر بالقدس والمقدسات ، حيث تتحول العقائد إلى موقف يتجاوز كل الحدود .
الكثير من الدلائل والإشارات تدل على أن الأردن يتعرض لضغط كبير من أجل تغيير موقفه ، والمصادر التي أشارت إلى عدم ارتياح أطراف إقليمية ودولية للموقف الذي اتخذه جلالة الملك في مواجهة قرار الرئيس الأمريكي يمكن الوثوق بها ، وأهم دليل عليها هو الانسجام الواضح بين الموقفين الرسمي والشعبي الأردني ، إلى جانب الخطاب المتزن والصريح الذي عبر عنه جلالة الملك أمام القمة الإسلامية .
الزاوية التي ننظر منها اليوم لكي نرى المشهد على حقيقته ، تضعنا أمام تحديات حقيقية وصعبة ومعقدة ، لكن قاعدة هذه الزاوية متينة ، والسياج قوي بما يكفي لكي نواصل دورنا في تصحيح مجرى التطورات بمزيد من التضامن الوطني ، والتمسك بالتنسيق العربي والإسلامي ، وتعزيز إرادة المجتمع الدولي للدفاع عن الشرعية الدولية وقراراتها ، وعدم السماح بتهديد الأمن والتعاون والسلام والتنمية في هذا العالم ، والتذكير من جديد بأولئك الذين دمروا العالم أكثر من مرة بسبب عنجهية القوة ، وجنون العظمة !