نحو آفاق أرحب!
في مقال سابق دعوت إلى القراءة من جديد في واقع التعليم العالي والبحث العلمي في بلدنا، وأشرت إلى أن نتائج العملية التعليمية في الأردن هي التي كانت السبب العملي في التقدم الذي أحرزه بلدنا في مجالات عديدة، وكانت البديل الذي نفخر به لشح الموارد الطبيعية.
ولم يتسع المقال لتوضيح نقطة هامة في هذا السياق تتعلق بتوظيف واقعنا الجامعي المتميز مقارنة بكثير منا لدول النامية، من أجل جذب مزيد من الطلبة في كل مكان، وتنويع أشكال التعاون والشراكة والاحتضان للجامعات الأجنبية المرموقة للاستفادة من تجاربها وممارساتها الفضلى، وإحداث نوع من التفاعل الأكاديمي على نطاق واسع.
أكتب هذا المقال بالتزامن مع جهود مبذولة لعقد لقاء حواري بين رؤساء الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة وبين الملحقين الثقافيين العرب في عمّان بهدف تشخيص القضايا المتصلة بالطلبة العرب الذين يدرسون في الجامعات الأردنية، بما يلبي حاجتين هامتين: الأولى هي إشراك الملحقين الثقافيين في القراءة الجديدة التي نسعى إليها لواقع التعليم العالي والبحث العلمي في بلدنا، والثانية إعادة التركيز على جوهر العملية التعليمية، خاصة في مستويات التعليم الأكاديمي، من حيث هي عملية مرتبطة ارتباطا وثيقا بأحد عناصر القوة الإستراتيجية للدول، ألا وهو عنصر القوى البشرية القادرة على المساهمة في التنمية الشاملة، وفي عمليات التطوير والتحديث والإصلاح.
لقد خبرت العديد من الدول العربية وفي مقدمتها الدول الخليجية كفاءة المدرسين الأردنيين في التعليم العام، والتعليم الجامعي، وكان التعاقد معهم وما يزال مستندا إلى المستوى التعليمي الجيد الذي حققه الأردن من حيث البنية التحتية، والمقررات والمناهج، وأساليب التعليم، فضلا عن الجدية والالتزام والسعي الدائم للتعلم، وقد حققت تلك الدول مستويات جيدة في مسيرتها التعليمية بإرادة وحرص أبنائها أولاً، ولكنها ظلت تأخذ في الاعتبار التجربة الأردنية بشهادة من شهدوا على ذلك من القيادات التعليمية في تلك الدول الشقيقة.
التجربة الأردنية ما زالت قائمة، بل ناهضة تجاه مزيد من التطور في ضوء ما يشهده العالم من ثورة تكنولوجية ومعلوماتية أزالت الفوارق والحدود، وربما يكون الأردن في طليعة الدول التي تفاعلت مع تلك الحالة من بدايتها، ولكن الأهم من ذلك يكمن في أن توفير أكبر عدد من الجامعات في أي بلد لا يعني إغلاق باب التوجه نحو جامعات أخرى خارج الحدود، وإلا لكان هذا العدد الكبير من الجامعات في بلدنا يكفي لكي لا يتوجه الطلبة الأردنيون إلى الخارج!
هناك عوامل كثيرة تدفع الطلبة للدراسة خارج أوطانهم، وليس بالضرورة أن يكون مستوى التعليم هو الحافز الوحيد، ربما يكون التنوع سببا، واختصار المسافات سببا آخر، ومن هنا تأتي أهمية احتضان برامج الجامعات الأجنبية المرموقة أو توطينها في الأردن لتلبية مفهوم التنوع في الدراسات الأكاديمية، والتفاعل مع التجارب الأخرى، وتقريب المسافات أيضا.
بذلك تتحقق الميزة التنافسية للتعليم العالي في الأردن، إذا أعدنا قراءة الواقع بصورة علمية وموضوعية وعادلة، وبذلك أيضا نستطيع جذب الطلبة الوافدين من كل مكان، فقد حان الوقت لإزالة كل التشوهات التي علقت بالصورة، وبعضها يتم عن طريق مراجعة جادة وصادقة وأمينة، وبعضها يتم بالتوقف عن ثقافة التذمر، التي أصبحت عادة سيئة لا تليق بنا، ولا بإنجازاتنا!