عم يتساءلون
للسؤال مكانة معتبرة في الاسلام، فقد ورد لفظ «سأل» ومشتقاتها في القرآن الكريم عشرات المرات، جاء على ألسنة الانبياء والمؤمنين وعلى ألسنة الكفار والمشركين، وهو في كل ذلك يؤكد القيمة المعرفية التي لا تتحصل الا بالسؤال، سواء اكان للتعلم والتبيين -كما يرى ابن الاثير - او للتكلف والتعنت، وسواء أكانت اجابته حاضرة وواضحة او كانت «مستورة» ومفتوحة على فهم الناس واجتهاداتهم.
من نماذج الاسئلة في القرآن الكريم السؤال عن السؤال نفسه «عم يتساءلون» والمقصود منه توجيه السؤال وفحصه والارشاد الى تصحيحه وفقهه، والحث على السؤال، حث الانبياء مثلا «سلهم ايهم بذلك زعيم» وحث المؤمنين الباحثين عن المعرفة «واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون» والاخبار عن موعد السؤال يوم القيامة «لتسألن عما كنتم تفترون» والاستدلال عن وجود الله تعالى «ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله» وهكذا.
وقد اختلف موضوع السؤال في القرآن الكريم تبعا لتاريخ النزول فقد اشتملت اسئلة القرآن في مكة المكرمة على السؤال عن الغيب والعقيدة والتاريخ، وكان السائلون في الغالب من غير المؤمنين، فيما تركزت الاسئلة في المدينة على «التشريع» والفقه واحكام الدين وكان السائلون من المؤمنين، وفي اشارة الى تحديد مسار السؤال في العهد المدني نزلت آية في سورة البقرة «مدنية» ترشد المسلمين لذلك «ام تريدون ان تسألوا رسولكم كما سُئلَ موسى من قبل» حيث يفهم من ذلك اركان السؤال التي تقوم على اهمية صياغة السؤال الصحيح واختيار وقته وحضور حاجته وحضور اهله وان يكون للمعرفة لا للتعنت وللمنفعة -بأنواعها - لا لمجرد الثرثرة «يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تُبدَ لكم تسؤكم».
في الاسلام -ايضا - لا يجوز رد السائل «فأما السائل فلا تنهر» والمقصود هنا بالسائل كل سائل سواء أكان سائل مال او سائل علم ومعرفة.
كما لا يجوز «الحجر» على السائلين او معاقبتهم او التضييق عليهم متى كانت السؤال في اطار «المساءلة» المشروعة هذه التي تأتي قيمتها واهميتها من قيمة السؤال الذي اشرنا اليه سلفا.
الدستور