هل سنقول وداعا للأطباء؟
خلصت احدى الدراسات العلمية مؤخراً، الى أن الآلة الذكية بإمكانها التفوق على أطباء الجلدية المتمرسين في التفريق بين التغيرات الجلدية الخبيثة والحميدة؛ فاتحة المجال للحديث عن احتمالية استخدام التطبيقات الذكية في تشخيص الاورام الجلدية؛ دون الحاجة لمراجعة الطبيب الاّ في حال كان هناك تدخل علاجي، فكل ما على المريض فعله هو التقاط صورة للتغيّر الجلدي وإرسالها للتطبيق الذي يستطيع إعطاء تشخيص فوري ودقيق..!!
قبل ذلك كان هناك محاولات لم تلق النجاح المأمول لاستخدام الكمبيوتر في تشخيص صور الاشعة المختلفة؛ من خلال تلقينه الصفات الخاصة للتشخيصات المختلفة: لكنهم اصطدموا بعدم قدرة الآلة على التعلم من الأخطاء وبالتالي عدم تكرارها.
يأتي هذا متزامنا مع الأنباء عن توقيع الجيش الأميركي عقداً كبيراً مع عملاق صناعة الروبوتات الجراحية؛ بحيث يتمكن الجرّاحون من إجراء عمليّات جراحية معقدة عن بعد لجنودهم المنتشرين على بقعة كبيرة من العالم دون الحاجة لتواجد الجرّاحين في الموقع!!
تعيد هذه الدراسات والأخبار الى الأذهان، الجدل الذي يتكرر مؤخراً حول إمكانية أن تحل الآلة والذكاء الصناعي مكان الأطباء تشخيصاً وعلاجاً؛ وفيما اذا ما يتحتّم علينا اعادة النظر بتدريس الطب ليتواءم مع التغيرات الكبيرة القادمة؛ ناهيك عن التشكيك بجدوى دراسة الطب من حيث المبدأ فيما اذا ما اخذت الالة وذكاؤها الصناعي بالحلول مكان البشر.
لقد أثار مشروع واتسون العملاق؛ والمتبنى من قبل شركة “آي بي إم” وعدد من كبرى المستشفيات العالمية قبل سنوات؛ جدلاً حول إمكانية أن يأتي الوقت الذي سنقول فيه وداعاً للأطباء، وأنفقت على المشروع مئات الملايين لكنه ما يزال يتعثّر ولم يَف بعد بوعوده.
التطور الجديد الذي يعمل عليه العلماء الآن؛ هو تغيير طريقة تفكير الكمبيوتر لتحاكي طريقة تفكير الدماغ البشري من حيث بناء شبكات عصبية تحاكي انسياب المعلومات في دماغ الانسان؛ وتملك القدرة على التحليل والتعلم من الأخطاء وتراكم المعرفة، فخبرة الطبيب تأتي من تراكم تعلمه من تجاربه وأخطائه وتجارب الآخرين.
لقد أدى التقدم الهائل في علم البيانات والحجم الهائل منها؛ حيث أن 90 % من البيانات على مدى التاريخ تم انتاجها في السنين الاخيرة، في إحداث نقلة نوعية في تشخيص وعلاج الأمراض المختلفة، كما ادّى التطور الهائل في الأجهزة الحديثة في إحداث ثورة علميّة في تشخيص وعلاج المرضى، لكنّ الإنسان ما يزال يحتل موقعاً مركزياًّ في العملية الطبيّة.
يبقى العامل الاساسي في التنافس بين الطبيب الانسان والآلة هو التواصل البشري؛ واللمسة الانسانية اللذان تفتقدهما الآلة؛ لكن للأسف بدأ الكثير من الاطباء بالتخلي طوعاً عنهما؛ واسلام قيادهم للآلة؛ وذلك طلبا ًللراحة حينا؛ ولضيق الوقت أحياناً؛ وما لم يبادر الجسم الطبّي إلى إعادة الاعتبار لأنسنَة الطب؛ فإنّ الآلة قادمةٌ لا محالة.