قانون انتخاب ممثل
قد يبدو هذا العنوان مخالفا للبديهة لدى البعض، وقد يسأل العديد ما الرابط بينهما، وكيف يتمكن أي قانون انتخاب، بل أي تنمية سياسية حقيقية، من المساهمة في حل الأزمة الاقتصادية؟ ولكن الصحيح أن قانون انتخاب ممثلا وعادلا ومعتمدا على أحزاب وطنية هو المدخل لمعالجة الأزمة الاقتصادية. كيف؟
اولا: لأن مثل هكذا قانون هو الأساس للبدء في تجسير فجوة الثقة بين المواطن والدولة، هذه الفجوة التي لم يعد أحد ينكرها، وهي ناتجة عن أن المواطن الأردني لا يشعر أن لديه صوتا حقيقيا ممثلا، وقادرا على المدافعة عن حقوقه الاقتصادية قبل السياسية، وهو القادر على البدء بتأطير الاحتجاجات التي نشهدها ليتم تحويلها إلى عملية بناء مؤسساتي اقتصادي وسياسي.
أما إن بقينا نعالج الأمور بالقطعة وتعاملنا مع الإصلاح السياسي لفظيا بينما نحاول معالجة الأزمة الاقتصادية عن طريق الجباية، فأخشى أن يفلت الشارع من أيدينا لأن الدولة أجهضت أية أدوات لها مصداقية تستطيع محاكاة الشارع وتأطير المطالب الاقتصادية.
ثانيا: لأن مقولة الإصلاح الاقتصادي في معزل عن الإصلاح السياسي اثبتت فشلها. لقد جربنا الإصلاح الاقتصادي دون السياسي لثلاثين عاما كانت نتيجتها ارتفاع البطالة من 13 إلى 18.5 %، والدين من 3 مليارات دينار إلى 28 مليار دينار، وتراجع درامي لترتيب الأردن في مؤشر الفساد العالمي. إن الإصرار على الإصلاح الاقتصادي دون الإصلاح السياسي ليس معناه فقط عدم وجود رقيب فعلي على السلطة التنفيذية، ولكن أيضا عدم ضمان تكافؤ الفرص، ومعناه التعنت في استمرار النظام الريعي الذي استنفد بعد انقطاع المساعدات الخليجية وكبر حجم القطاع العام حد التخمة.
بعبارات اخرى، إن كان الهم العام هو خلق وظائف تستوعب الداخلين لسوق العمل ومعالجة مشكلة البطالة، وإن كان الهم العام محاربة الفساد، وإن كان الهم العام تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، فإن تحقيق كل ذلك غير ممكن دون تنمية سياسية حقيقية لأن غياب التنمية السياسية يتيح للسلطة التنفيذية احتكار القرار الاقتصادي وليس السياسي وحده. وقد أظهرت التجربة أن العديد من قرارات السلطة التنفيذية كانت ريعية بامتياز، بمعنى الانتقائية في منح الامتيازات والوظائف، وبالتالي لم يتم تحقيق مطالب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
فلتسمح لنا الحكومة أن نخالفها حين تقول إننا جربنا كل القوانين ولم تنجح في تحقيق الانفراج المطلوب في الفضاء السياسي. ليس هذا صحيحا، لاننا لم نجرب بعد قانونا يعتمد بالكامل على كتل حزبية.
لتسمح لنا الحكومة ايضا أن نخالفها حين تقول إن الشعب الأردني ليس مستعدا للحياة الحزبية، فهذا يخالف التاريخ والحاضر. لماذا كانت لدينا حياة حزبية فاعلة في الخمسينيات أي قبل سبعين عاما؟ ولماذا تمكنت تونس التي كانت دولة بوليسية من انشاء حياة حزبية فاعلة حيث يتواجد في البرلمان التونسي اليوم ثمانية عشر حزبا، خمسة أحزاب منها لها 8 مقاعد أو أكثر من أصل 217 مقعدا، وكلها أحزاب حقيقية ولها برامج متكاملة تنتخب على اساسها؟ ولماذا تمكنت تونس في 7 سنوات من غربلة الـ116 حزبا التي خاضت الانتخابات العام 2011، غربلة تمت من الشعب وليس من الحكومة؟
لا تستطيع الدولة أن تدع الشارع يفلت دون معالجة حقيقية للتنمية السياسية.