مُؤشرات اقتصاديّة مهمة
رُغم حالة الاستياء العامة في الشّارع من مُختلف السياسات الاقتصاديّة والتقليل من أيّة مُنجزات اقتصاديّة حدثت، إلا أن هُناك مؤشرات حدثت فعلا على ارض الواقع لا يُمكن تجاوزها، وتشير بوضوح إلى أن الاقتصاد فعلا قد بدأ يستعيد جزءاً من عافيته، ويتطلب الأمر مواصلة السياسات والإجراءات التي من شأنها تعزيز الاستقرار الماليّ والاقتصاديّ للمملكة.
أولى هذه المؤشرات هو موضوع نمو أرباح الشركات المساهمة العامة في بورصة عمان العام الماضي بنسبة 41.8 بالمئة مُقارنة عما كانت عليه في عام 2017، وهذا سيكون له انعكاس إيجابيّ على تقديرات الموازنة العرمة الخاصة بالإيرادات الموردة لضريبة الدخل التي ستنمو بلا شك مع نمو تلك الأرباح والتوزيعات على المساهمين.
أسباب الزيادة في أرباح الشركات المُساهمة العامة العام الماضي يعود إلى دخول شركة الفوسفات إلى خندق الشركات الرابحة بعد سنوات من الخسائر الجسيمة، فمن المُرجح أن تبلغ أرباحها ما يقارب 50 مليون دينار، مُقابل خسائر تجاوزت 92 مليون دينار في 2017.
كما أن شركة الملكية الاردنيّة هي الأخرى تحوّلت من الشركات الخاسرة إلى الرابحة بتحقيقها ربحاً صافيّاً يبلغ 26 مليون دينار، ناهيك من أن شركة البوتاس العربية واصلت تألقها الماليّ بارتفاع كبير على صافي أرباحها التي بلغت العام الماضي ما يقارب 140 مليون دينار، كُلّها مؤشرات هامة بأن أداء الشركات عكس الانطباع السلبيّ السائد في المجتمع بإن أنشطتها كانت باتجاه سالب، بالعكس، الأرقام تُثبت نُمُوّ أنشطتها وأرباحها.
الصادرات الوطنيّة التي نمت العام الماضي بنسبة 3.6 بالمئة تطور مهم أيضا، والأهم من ذلك هو التطور الحاصل في زيادة الصادرات خلال النصف الثاني من العام الماضي والتي نمت به الصادرات بنسبة تجاوزت الـ 8بالمئة مُقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، وهذا أيضا يدلّل على نُمُوّ صادراتنا وعودتها للمسار التصحيحيّ، وهذا بسبب التطور الإيجابيّ في السوق العراقيّة تحديداً.
مواصلة السياحة لأدائها المتميز خلال السنوات الثلاث الأخيرة واستمراريّة ارتفاع إيراداتها ودخلها الإجماليّ الذي نما العام الماضي بنسبة 12.8 بالمئة، هو مؤشر اقتصاديّ إيجابي آخر ويدلّل بوضوح على أن السياحة باتت أحد الدعائم الرئيسيّة لاحتياطات المملكة من العُملات الصعبة، ومشغل رئيسيّ للعاملين وإيجاد فُرص العمل.
هُناك مُؤشرات أخرى تُدلّل على أن القطاع العقاري مُقبل هو الآخر على حركة إيجابيّة مع البدء بتنفيذ قرار مجلس الوزراء الخاص للسماح للأهل من قطاع غزة بالتملّك في الأردن، وهو ما سَيُساهم كثيرا في رفع حركات البيع والشراء في القريب العاجل تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطنيّ.
عودة إمدادات الغاز المصريّ لِتُغطي الآن ما يقارب نصف احتياجات المملكة من توليدات الطاقة الكهربائيّة بأسعار تفضيليّة هو الآخر سيُساهم إيجابا في الفاتورة الإجماليّة للطاقة بالمملكة وستنعكس أيضا على كُلّف الدعم في قانون الموازنة العامة.
انخفاض أسعار النفط العالميّة وبقائها عند مُستوياتها الراهنة بأقل من 60 دولارا للبرميل سيخفض من العجز التجاريّ وميزان المدفوعات، وسيساهم إلى حدٍ ما بانخفاض كُلّف الإنتاج على الشركات خاصة الصناعيّة منها، ويساعد كذلك في تخفيض كُلّف الدعم في الموازنة العامة، لكن استمرار الانخفاض إلى ما دون المُعدّلات الحالية سيكون له أبعاد سلبيّة على الاقتصاد والموازنة العامة لا مجال لذكرِها في هذا المقال.
نعم هناك تحدّيات كبيرة أمام عملية الإصلاح الاقتصاديّ في المملكة، منها ما هو خارجيّ يتعدى قُدرات الحكومات في التعامل معه ويفوق بكثير قدرتها، ومنها ما هو داخليّ يتطلب إصلاحاً وثورة إداريّة حقيقيّة لرفع إنتاجيّة المُوظف الأردنيّ وزيادة انتمائه لمؤسساته وعمله، وهذا لا يكون إلا من خلال تفعيل دولة القانون أولا وأخيرا، لكن بالمحصلة علينا أن نعترف أن هُناك إصلاحات اقتصاديّة وإنجازات سيكون لها انعكاسات في القريب العاجل على مؤشرات التنمية المسُتدامة وبشكل يساهم نحو تعزيز الاستقرار الاقتصاديّ، والمطلوب قليلا من التفاؤل والتوقف عن جلد الذات. وللتعامل بمبدأ التقييم وفق الأطر الدستوريّة والمرجعيات القانونيّة المؤسسيّة بدلا من اللجوء إلى صفحات التواصل الاجتماعيّ.