الإرهاب للمرة الثانية
المقدمة : إن الإرهاب لا يميز بين رجل وإمرأة وبين طفل وكهل ولقد استهدف عبر التاريخ العرق الأبيض والأسود والأصفر استهدف القادة والزعماء والملوك والأمراء ورؤساء الدول كما استهدف المفكرين والمبدعين ورجال العلم ورجال القانون ورجال الأمن . وهو لا يعترف بأي حدود جغرافية فكل العالم مسرح مستباح لعمليات الإرهاب فلقد انتشر في الشرق الأوسط واكتسح أمريكا الجنوبية وامريكا الشمالية وأوروبا وآسيا وإفريقيا وأوستراليا وهو لا يلتزم بتوقيت محدد فهو قد وجه ضربات مؤلمة في عتمة الليل وتحت جنح الظلام وتحت ضوء الشمس ولم يعترف بحرمة الأديان فلقد استهدف الجوامع والكنائس والصوامع ودرو العبادة ولم يتميز باستهداف مكان بعينه بل استهدف الملاعب الرياضية والمباني الشاهقة والمجمعات التجارية والمطاعم ودور السينما وقاعات الإحتفالات العامة والطائرات المدنية والبواخر والقطارات والحافلات والمستشفيات والمدارس والجامعات وبكل أسف فإن الغالبية العظمى من ضحايا الإرهاب هم في الغالب من الأبرياء الذين تواجدوا صدفة في نفس المكان والزمان الذي تم فيه تنفيذ الهجوم الإرهابي عن طريق استخدام كل ما يمكن استخدامه من الوسائل المتاحة من سلاح أو متفجرات أو غاز سام لإلحاق القتل والأذى لأكبر مجموعة من المتواجدين وهو في الغالب نتاج أهداف يصعب حصرها ولكنها في غالبيتها عقائدية أو سياسية . وإن أخطر أنواع الإرهاب هو الإحتلال العسكري والعقاب الجماعي.
في الدول المتقدمة حياة الإنسان تساوي كل شيء وفي الدول العربية حياة الشعوب لا تساوي أي شيء
لقد أصبح إتهام أي دولة عربية أو إسلامية بأن لديها مقاتلين من القاعدة ذريعة كافية لكي تقوم دول حلف الأطلسي بشن هجوم عسكري عليها دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي ودونما أخذ موافقة مسبقة .
لقد شهدت السنوات الأخيرة تداخلات في العديد من المفاهيم وتم الخلط بين الإرهاب والتحرير حسب مصالح الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة وتم دمغ حركات التحرر بالإرهاب وتم دمغ الإرهاب بالتحرير وأصبحت الشعوب التي تناضل من أجل تحرير أراضيها من نير الإحتلال العسكري " وهو أسوأ أنواع الإرهاب في العالم " وعلى رأسها الشعب الفلسطيني مدموغة بالإرهاب بينما العدو المحتل والجاثم فوق صدر أبناء الأرض الأصليين القابض على الرشاش والبندقية والمدفع والطائرة هو صاحب الحق في مأساة لا ترحم نتيجة المعايير المزدوجة التي تتستر من ورائها الولايات المتحدة وحلف الأطلسي .
لقد أدخلت إسرائيل القوة النووية إلى منطقة الشرق الأوسط ولم تجرؤ أي دولة من دول العالم بانتقادها أو حتى مطالبة لجنة الطاقة الذرية الدولية بإجراء أي تفتيش من قبل المفتشين الدوليين لمواقع مفاعلاتها النووية
إن مناقشة الإرهاب ليست بالبساطة التي يتناول فيها المحللون السياسيون والإقتصاديون والعقائديون قضايا السياسة كما أن المعايير التي ترتكز عليها مثل هذه المناقشة تتطلب أولا التجرد الكلي والموضوعية المطلقة يليهما التمحيص والبحث العلمي الدقيق والتحليل بقصد التوصل إلى حلول لظاهرة الإرهاب بدل التأكيد على وجهات نظر سياسية مغلوطة تخدم مصلحة دولة بعينها.
مفهوم الإرهاب:
هناك أكثر من تعريف للإرهاب وهذه التعاريف تختلف بكل أسف تبعا للظروف السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية في دولة بعينها. كما أن المصالح بين الدول تتحكم في إضفاء معاني جديدة وترفض الأخذ بتعريف واحد جامع لأن الإرهاب وأساليب الإرهاب في تطور دائم ومفهوم ديالكتيكي يمتص كل حوادث الإرهاب ويجمع قاسما مشتركا لها بحيث يصلح لكل زمان ومكان ولا بد لنا في هذه العجالة من استعراض التطور التاريخي للإرهاب والإلمام بأبعاده والتعرف على مدلولاته ومعانيه .
ولعل أفضل تعريف للإرهاب في مطلع القرن العشرين هو التعريف الذي ورد في الموسوعة البريطانية والقائل بأن الإرهاب " هو وسيلة متطرفة تستخدمها حكومة محتلة عن طريق نشر الذعر والفزع واللجوء إلى القتل والإغتيال والتوقيف التعسفي والإعتداء على الحريات الشخصية لإرغام أفراد الشعب على الخضوع والإستسلام وأن أكثر عمليات الإرهاب هو الإحتلال العسكري "
لقد شهد العالم بأسره خلال القرن العشرين أبشع أنواع الإحتلال العسكري وأسوأ أنواع الإستعمار . كما شهد أيضا أكبر قدر من حركات التحرر والإستقلال . ولكن الإستعمار قد تبدل وتغير ولم يعد بحاجة إلى احتلال الأرض وإنما عمد إلى السيطرة على الموارد الإقتصادية والثروات الطبيعية المعدنية والنفطية وتمكن من التحكم في ألتجارة العالمية وتم تحويل دول العالم الثالث إلى أسواق مستهلكة. نجم عنه تقسيم العالم إلى دول عظمى ودول مستضعفة وتم تسخير التكنولوجيا في تقسيم العالم إلى مستهلك وإلى منتج كما شهد العالم الإستعمار الثقافي والآيديلوجي وتم تقسيم العالم إلى شرقي وغربي وعالم ثالث ليس له إسم أو لون أطلقوا عليه من قبيل الشفقة لقب العالم المتطور.
وظهرت التحالفات السياسية والعسكرية كان أبرزها حلف الأطلسي وحلف وارسو وتم توزيع العالم إلى مناطق نفوذ للقوى الأعظم وتم تنصيب حكام وملوك ورؤساء وأمراء . وفي غفلة من الزمن اتفقت كل من بريطانيا وفرنسا على زرع إسرائيل في قلب العالم العربي وسارعت الدول العظمى إلى الإعتراف بدولة إسرائيل. بعد أن شهدت فلسطين العديد من المذابح على أيدي المنظمات الصهيونية بدءاً بأرغون والهاجاناه وبالماخ وشتيرن.
ويجدر بنا في هذا المجال أن نفرق بين حركات المقاومة والتحرير وبين الإرهاب . ومن أجل توضيح ما نرمي إليه فلنأخذ بعض الأمثلة .
في تاريخ العالم الحديث كانت نظرة ألمانيا النازية إلى حركة المقاومة الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية أنها حركة إرهابية بينما هي في تظر الحلفاء الغربيين والفرنسين حركة تحرير . ثم لنأخذ نظرة الفرنسيين أنفسهم لحركة التحرير الجزائرية ذات المليون شهيد حيث اعتبرها الفرنسيون حركة إرهاب مسلح بينما هي في نظر العالم بأسره حركة تحرير شعبية.
ويجدر بنا أن نوضح هنا بأن مفهوم الشرعية السياسية في معظم حركات التحرير كان يعتمد بالدرجة الأولى على استلام زمام الحكم وفرض السيطرة . كما أن الكثير من حركات الإنقلاب في بلدان العالم كانت تعتمد بالدرجة الأولى على القوة العسكرية في انتزاع الحكم وبالتالي توالي اعترافات دول العالم بالنظام الجديد .
ولا شك بأن مصداقية الدول العظمى في هذه المواقف معدومة فلنأخذ على سبيل المثال موقف الولايات المتحدة في كل من إيران قبل وبعد إخراج الشاه وفي الفلبين قبل وبعد إخراج ماركوس. وإن ما يهمنا هنا بالذات هو موقف الولايات المتحدة تجاه كل من أفغانستان وفلسطين .
فقد كانت الولايات المتحدة تنظر إلى المقاومة الأفغانية وبالذات إلى حركة طالبان بإعتبارها حركة تحرير وطنية تهدف إلى تحرير أفغانستان من الإحتلال السوفياتي . أما اليوم فإن الولايات المتحدة وبعد احتلالها أفغانستان تنظر إلى حركة طالبان بأنها حركة إرهابية.
أما بالنسبة إلى المقاومة الشرعية الفلسطينية ضد الإحتلال العسكري الإسرائيلي وهو أطول إحتلال في التاريخ الحديث فلقد اتهمت الولايات المتحدة المقاومة الفلسطينية بالإرهاب ولم تتهم إسرائيل بالإحتلال . ناهيك عن التحدث عن تصويتها بالفيتو إبان قيام إسرائيل بإحتلال لبنان وبشن حرب ضد لبنان وشن حرب ضد أهل غزة.
ويجب أن أؤكد هنا أن الإرهاب يتمتع كما أسلفنا بالديناميكية وأن وسائله تتطور وأنه يلجأ إلى التخطيط المدروس قبل تنفيذ أي عملية . فالإرهاب في حد ذاته وسيلة لنشر الذعر والفزع والترويع واللجوء إلى القتل والإغتيال والإعتداء على حريات وحياة المدنيين الأبرياء . فهناك الإرهاب القائم على القهر والتعسف والإجبار وهناك الإرهاب القائم على إشاعة الفوضى وإعاقة مجرى العدالة والخروج على القوانين المتعارف عليها وهناك الإرهاب الذي يستهدف القيم الإجتماعية والمبادىء والمثل والمقومات النفسية والقناعات الدينية .
وفي تعريف آخر ورد في القانون البريطاني لعام 1984 بأن الإرهاب "هو استعمال العنف لأغراض سياسية ".
وهنا يتوجب علينا التمييز بين الإرهاب في دولة بعينها حيث يكون الإرهاب وسيلة لتدمير الحكومة الوطنية من قبل تنظيمات معادية ويتم تمويل الإرهاب من الداخل . وتقتصر عمليات الإرهاب في نطاق وحدود دولة بعينها . وهناك الإرهاب الخارجي الذي تقوم بتدريبه وتمويله وتسليحه دولة أخرى معادية وذلك للقيام بعمليات إرهابية مختلفة من قتل وزرع للمتفجرات وخطف للطائرات وتهديد الأماكن والمباني العامة واغتيال رجال الدولة أو ممثليهم أو تدمير المرافق الحيوية مثل مصافي البترول ومحطات توليد الكهرباء وشبكات المياه والجسور والأنفاق.
وهناك ما تعارف على عليه بإسم الإرهاب الدولي والذي تشترك فيه مجموعات إرهابية من جنسيات مختلفة وتتستر وراءه أكثر من دولة . الهدف منه تجنيد عملاء إرهابيين محترفين من جنسيات مختلفة للقيام بعمليات في أماكن متعددة ودول مختلفة . ولعل أفضل مثال على هذا النوع من الإرهاب الدولي هو ما تعرضت إليه الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 11/9/2001 حيث قامت مجموعات إرهابية باستخدام طائرات مدنية في مهاجمة مبنى وزراة الدفاع الأمريكية وفي تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة يتوقف العمل في شارع " وول ستريت " شارع المال والإقتصاد ويتوقف أعظم سوق للبورصة في العالم لمدة أربعة أيام متتالية وهو السوق الذي يحسب حسابه أرباب الإقتصاد في العالم بأسره حسابه بالثواني . كما أن هذه العملية قد تسببت في إيقاع أكبر نسة من الضحايا في زمن السلم حيث بلغ عدد الضحايا 2996 ضحية 19 من الخاطفين و 246 من ركاب الطائرات و 2606 من البرجين في نيويرك و125 من وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون) . كما أن الولايات المتحدة وحتى هذه اللحظة لا تعلم على وجه التأكيد المخطط الحقيقي والعقل المدبر لهذه العملية ولكن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد استغل هذه الحادثة في شن حرب همجية على المسلمين والعرب . ولسنا الآن في مجال الخوض في تفاصيل هذه العملية الإرهابية الأولى في القرن الواحد والعشرين .
الإتفاقات الخاصة بمقاومة الإرهاب :
لقد حصلت المنظمات الإرهابة المتطورة على قدر كبير من الإهتمام العالمي والتغطية الإعلامية . كما شهد العالم أكثر من إتفاقية دولية وإقليمية كلها تندد بالإرهاب ولعل أشهر هذه الإتفاقيات إتفاقية طوكيو عام 1969 وإتفاقية لآهاي عام 1970 وإتفاقية مونتريال عام 1971 والإتفاقية الدولية عام 1973 لمنع ارتكاب الجرائم ضد الأشخاص الذين تتوفر لهم الحماية الدولية بما في ذلك الدبلوماسيين ومندوبي الدول والمنظمات الدولية .
وبتاريخ 3/11/1977 صادقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالإجماع على قرار يندد بالقرصنة الجوية بالإضافة إلى توقيع الإتفاقية الدولية الخاصة بإحتجاز الرهائن . وبتاريخ 18/12/1985 صادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار 579 والذي يندد بجميع حوادث الإختطاف وحجز الرهائن . واستمر عقد الإتفاقات الدولية واستمرت معها عمليات الإرهاب . واستمرت الإتفاقات واستمر استخدام الإرهاب كمبرر للدول العظمى لتحقيق سياساتها في مختلف بقاع العالم .
ويمكننا تلخيص الأهداف العامة والقاسم المشترك الأعظم التي حققتها هذه الإتفاقيات الدولية بالنقاط التالية
1: تشجيع موافقة الحكومات الصديقة على مصالحها المشتركة في مكافحة كل أنواع الإرهاب إذ أن من المحتمل أن نجاح أي عمل إرهابي في دولة ما سيؤدي إلى محاولة تكرار هذه الأعمال في دول أخرى.
2: توفير مناخ دولي يرفض أي إرهاب تتبناه أو تسانده أي دولة بحيث تدرك الدول التي تحاول الجوء إلى الإرهاب أن مثل هذه الأعمال تضر بمصالحها وتؤدي إلى عزلها أو فرض حصار عليها.
3: الحصول على موافقة مختلف الدول على عدم تقديم أي تنازلات جوهرية للإرهابيين
4: ضمان عدم إساءة استعمال الدول المساندة للإرهاب لإمتيازات الحصانة الدبلوماسية المعمول بها في العالم .
5: ضمان اتخاذ الإجراءات الفعالة وبشكل مستمر للحيلولة دون وقوع حوادث خطف الطائرات أو تخريبها .
6: توفير مناخ دولي يجعل من الصعب على الإرهابيين القيام بأعمالهم مثل رفض تزويدهم بالسلاح والمتفجرات والمال .
7: عرقلة تحركات الإرهابيين من بلد لآخر وذلك باستخدام القوانين واللوائح الخاصة بإدارة الهجرة والجوازات والحدود
8: ضمان التعاون الشامل بين خدمات الأمن وقوات الشرطة والمنظمات الأمنية والحكومية والإستخبارية بحيث يمكن تبادل المعلومات الشخصية والتنظيمية عن الإرهابيين والمنظمات الإرهابية .
لقد كثرت المؤتمرات الخاصة بالإرهاب وتعدت القرارات التي تم اتخاذها وإن جل ما يحتاجه العالم هو التوصل إلى السبل الواضحة والطرق الأسلم لتفعيل هذه القرارات على أرض الواقع والإلتزام بها والإبتعاد عن المعايير المزدوجة في تطبيقها والأخذ بالتوصيات الناجمة عن هذه المؤتمرات ومنحها الغطاء القانوني في حال تنفيذها .